تعيش أوروبا منذ 13 تشرين الأول تحت وقع الرعب من إرهاب ساهمت قياداتها في نموه وحضانته نزولاً عند النزوات الأميركية وإغراءات المال الخليجية.

الإرهاب الذي ينشر الهلع في القارة العاجزة عن الخروج من القبضة الأميركية المسمومة، مايزال يتوعّد بتوسيع دائرة استهدافاته في الأماكن العامة دون أن يقارب في أي من التهديدات المواقع الأمنية والعسكرية في أي من الدول المهددة، ما يطرح تساؤلات تحتاج إلى بعض الوقت للتدقيق قبل الإجابة عليها.

في المقابل، فإن الوعيد الرسمي الأوروبي باجتثاث الإرهاب وملاحقة المنتمين إلى أعتى منظماته حتى القبر مايزال مجرد أصوات تواكبها عمليات تفتيش في بعض الدول، لإظهار جدية غير جازمة، بموازاة رفض تحديد مَن هي المنظمات الإرهابية، ومن هم الإرهابيون، وكذلك عدم تسمية المتورطين في رعاية وتمويل الإرهاب، وهم حلفاء للدول الأوروبية، وكانوا بين الحاضرين في قمة العشرين التي انعقدت في انطاليا التركية؛ كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أعلن ورئيس وزرائه مانويل فالس أن فرنسا في حالة حرب، وطلب هولاند من البرلمان الموافقة على تمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر منحه إياها البرلمان بلا تردد، ليطلق أيدي القوى الأمنية التي أخفقت في اكتشاف الخلايا الإرهابية قبل شن هجماتها (استناداً إلى وجهات نظر فرنسية)، الأمر الذي عاظم المخاوف على الحريات الفردية والعامة، خصوصاً أن اعلان حالة الطوارئ اقترن بمنع التظاهر والدعوات إلى إغلاق المساجد ودور العبادة وطرد من سُمّوا "أئمة المساجد المتطرفين"، وحل جمعيات تشارك في "أعمال تشكّل مساساً بالأمن العام". وفي هذا السياق كتبت "الإندبندنت" أن "على أوروبا أن تبذل كل ما في وسعها لاحتواء خطر الإرهاب، حتى لو جاء ذلك على حساب حرية التعبير"، ما يطرح السؤال الكبير: ألم تشغّل أوروربا كل أجهزة الإعلام مع بداية الحراكات في الدول العربية، طالبة رفع حالات الطوارئ ومنادية بالحرية والديمقراطية، والترويج لإسقاط الأنظمة، لاسيما في سورية، رغم أن الإرهاب كان واضحاً وضوح الشمس ويموَّل ويسلَّح علناً، وتُعقد المؤتمرات والاجتماعات لتوزيع الأدوار والأعباء لإسقاط النظام بإدارة أميركية، ورأس حربتها سعودية - قطرية - تركية، وحاضنة أوروربية، على رأسها فرنسا؛ بموقف هو الأكثر تطرُّفاً؟

وبالتوازي مع هذه الدعوات والإجراءات الطوارئية، اتقدت مشاعر الكراهية للمسلمين والعرب، وسُجِّلت مئات الحوادث والاعتداءات عليهم، وفق ما سجّلته جمعيات حقوقية في أوروبا والولايات المتحدة، ما جعل العنصرية تتحرر من استراحتها.

لا شك، أن الإرهاب الذي يلفح أوروبا خطير جداً، لكن الإجراءات المطلوبة لم تقارب بعد، والدليل التردد في الانضمام إلى مقاتلة المنظمات الإرهابية كحزمة واحدة، والتركيز الخطابي على "داعش"، وهو ما عكسه قرار مجلس الأمن الذي تقدمت فرنسا بمشروعه، بدعم أميركي، مقابل القرار الروسي الواضح بضرورة قتال الإرهاب.

الإرهاب العاصف بأوروبا حرّك بعض الضمائر الخامدة، كضمير آلان جوبيه؛ وزير خارجية فرنسا السابق، الذي واكب مرحلة التخريب في سورية منذ البداية حتى مجيء حكومة هولاند، وقد طلب المغفرة من سورية لأن فرنسا ارتكبت خطايا بحقها، مع الدعوة إلى مراجعة السياسة الفرنسية، كما أن اصوات تعالت للخروج من القبضة الأميركية وإخراج أوروبا من سياسة الانتقام إلى الفعل في مكافحة الإرهاب، ورؤية المصالح الأوروبية باستراتيجية غير سطحية، حتى أن صحيفة "ليبراسيون" اعتبرت أن فرنسا تدفع من بين أمور أخرى ثمن تضامنها مع السياسة الأميركية، فيما قالت "لوموند" إن "التعاون مع روسيا يوفّر لفرنسا فرصاً أفضل لمحاربة داعش".

في الخلاصة، الإرهاب الذي يهدد كل أوروبا، لا يمكن أن يحارَب بخطابات وأحقاد استعمارية، إنما بتشخيص حقيقته وتجفيف منابعه المالية والفكرية، وهي معروفة، والكف عن المراهنة في الاستثمار عليه؛ كما تفعل واشنطن، سيما أن الدول المموّلة معروفة، وقد قال ولي عهد الأردن السابق الأمير حسن: إذا لم تكن دول الخليج تموّل الإرهاب.. فمن يكون؟