هل يتصور اللبنانيون ما هي الارتدادات التي كانوا سيواجهونها لو أن سورية لم تصمد في وجه الحرب العالمية الإرهابية التي تُشنّ عليها منذ خمس سنوات، وما الذي كان سيحدث لو أن إيران و"حزب الله" تخلّفا عن مد يد العون لها في مقاتلتها لآخر نسخة من مشاريع الحروب الأميركية بالوكالة، ممثَّلة بالتكفيريين؛ أبناء واحفاد "تنظيم القاعدة" الذي أنجبه التزاوج الأميركي - "الوهابي" خلال الحرب ضد الاتحاد السوفياتي السابق، في أفغانستان؟
ترى أوساط سياسية متابعة، أن لبنان في هذه الحالة كان سيشهد تكرار تجربة العام 1982؛ عندما كان النظام العربي بأكثريته الساحقة شاهد زور وتواطؤ على اجتياح الجيش الصهيوني للبنان، الذي احتلت جحافله العاصمة بيروت، وفرضت بقوة دباباتها انتخاب حليفها بشير الجميّل رئيساً للجمهورية، وأكملت مشروعها بفرض "اتفاقية العار" المعروفة باتفاق 17 أيار، خلال حكم الرئيس أمين الجميل، بعد ان أجبرت المقاومة الفلسطينية وقادتها على مغادرة لبنان بحراً باتجاه منافٍ تبعد آلاف الكيلومترات عن حدود فلسطين المحتلة. كل ذلك، لإسقاط كل نظام عربي يعادي "إسرائيل"، ولفتح الطريق أمام الأنظمة العربية التابعة لأميركا والغرب للتخلص من القضية الفلسطينية، وإشهار تحالفها المُضمر مع الكيان الصهيوني.
لكن الذي أسقط هذه الأحلام الأميركية - الصهيونية، كان الدخول الإيراني على خط الصراع العربي - "الإسرائيلي"، فكان إرسال بضعة آلاف من رجال الحرس الثوري الإيراني، للمساعدة في صد العدوان "الإسرائيلي"؛ البدايات التي أنتجت "حزب الله" كحالة مقاومة مميّزة، استطاعت أن تحول شعار "قوة لبنان في ضعفه" إلى "قوة لبنان في جيشه وشعبه ومقاومته"، وأجبرت هذه المقاومة، بفضل الدعم الإيراني المطلق، الجيش "الإسرائيلي" الذي كان "لا يُقهر"، على الاندحارعن الأراضي اللبنانية من دون شروط، بل لاحقه المقاومون حتى أقصى الجنوب، وصار "الإسرائيلي" يرفع الجدران والسواتر خوفاً من حجارة المواطنين اللبنانيين التي كانت تطارد جنوده إذا غادروا جحورهم.
والواقع، أن إيران التي وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها "شريك يُعتمد عليه في المنطقة"، تقوم منذ العام 1982 بمنع تحقق الهيمنة الأميركية و"الإسرائيلية" على المنطقة العربية، فالغرب، وفي مقدمه أميركا، وضع نصب أعينه منذ إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، أن يجعل وجود "إسرائيل" طبيعياً ومقبولاً وقيادياً في المنطقة، لكن العرب كشعوب في مختلف أقطارهم تصدوا لهذا المشروع، تارة بصيَغ وطنية، وطوراً بصيَغ قومية، واستطاع جمال عبد الناصر تجميد هذا الحلم ثمانية عشر عاماً، وعندما ظن الغرب أن الساحة العربية خلت أمام المشروع الصهيوني، بإخراج المقاومة الفلسطينية من الأردن أولاً، ثم من لبنان، بعد التخلص من نظام عبد الناصر في مصر، كانت ثورة الإمام الخميني في إيران هي المفاجأة، فتبنّت القضية الفلسطينية، وتقدمت للمشاركة في الصراع ضد الغدة السرطانية "إسرائيل"، ومدّت يد العون لكل فلسطيني يتمسك بحقه في وطنه وفي مقاومته للمحتل.. وهكذا حوّل العون الإيراني للعرب المشروع الصهيوني من "حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل"، إلى مشروع يختبئ خلف جدار عازل، خوفاً من ضربات المقاومين الفلسطينيين، كما حوّل هذا الدعم الإيراني "إسرائيل" من مغرور يضرب المفاعل الذري العراقي من دون رادع، إلى كيان يتوسّل أميركا لتعطيه "القبة الحديدية"، ليحمي نفسه من صواريخ المقاومين في فلسطين ولبنان.
الأمر نفسه حدث في العراق، الذي احتله الأميركيون عام 2003، لكن الدعم الإيراني للعراقيين أجبر الأميركي على الخروج مهزوماً من العراق، من دون أن يحقق هدفه بإقامة قواعد عسكرية فيه، وكان احتلال العراق فرصة للأميركيين ليملوا شروطهم على سورية وقيادتها، وأولها قطع العلاقة مع المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين، لكنّ تمسُّك سورية بخط المقاومة، ورفضها تلك الشروط، جعلها هدفاً للتآمر الأميركي والغربي، ودُفع إليها عشرات الآلاف من التكفيريين؛ في حرب إرهابية عالمية شاركت فيها أنظمة تدّعي العروبة والإسلام، لكن سورية صمدت شعباً وجيشاً وقيادة، ووجدت في الدعم الإيراني المطلق، وفي بطولات المقاومين من "حزب الله"، سنداً أعانها على إفشال كل موجات العدوان.
ذلك "النصر" الأميركي، لو حدث، كان طريق قوى الرابع عشر من آذار في لبنان لفرض رئيس للجمهورية منها، وهو مرشحها المعلن سمير جعجع، لكن دخول إيران على معادلات المنطقة، وقتال "حزب الله" في سورية، جعل الرئيس سعد الحريري يتبنّى ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية؛ في رسالة تودّد للرئيس السوري صديق فرنجية، من جهة، أو محاولة لـ"دقّ إسفين" بين حلفاء سورية من جهة ثانية، وفي الحالتين هي مبادرة الضعيف المهزوم، وليست خطوة الواثق من نفسه.