وضعت "التسوية الرئاسية" المفاجئة، النائب سليمان فرنجية في موقف محرج وصعب، فهو لا يستطيع رفض ترشيح "الطرف الآخر" له، فيسقط اسمه من لائحة "الاربعة المسيحيين الكبار"، كما ان من حقه السير مع هذه المبادرة الى الآخر، ليكشف حقيقة كونها مبادرة صادقة، او مناورة ترمي لكسب الوقت، تهدف الى بث الخلاف بين أطراف قوى الثامن من أذار وحليفها العماد ميشال عون، خصوصا ان قبول فرنجية لهذا الترشيح وضعه وجها لوجه امام مرشح الخط السياسي ذاته، الذي ينتمي اليه، وهو العماد عون.
وتعتبر اوساط سياسية ان هذه المبادرة الذكية، وان حاول البعض تنسيبها الى "توافق ايراني- سعودي" لا توجد دلائل على وجوده، الا انها ليست بعيدة عن افكار واساليب النائب وليد جنبلاط، الذي تعتبر الاوساط، انه قام بتسويقها في المملكة السعودية، التي قامت بدورها بتكليف الرئيس السابق سعد الحريري بتنفيذها، عبر التواصل مع فرنجية والاتفاق معه على مندرجاتها.
وتبرز مصلحة جنبلاط، وكذلك الحريري، في هذه المبادرة، التي يرشحان فيها الصديق الشخصي للرئيس السوري بشار الاسد، انها مبادرة لاعادة مد الجسور مع الرئيس الاسد، الذي لم يقصر جنبلاط ولا الحريري، في المشاركة باي جهد معاد له لازاحته عن الحكم، بما في ذلك تعاونهما مع مختلف القوى التي شاركت في الحرب على سورية. ففي مثل هذه المبادرة يقدم جنبلاط والحريري "هدايا" للخارج، مقابل تجنبهما تقديم تنازلات في الداخل، خصوصا ان الاثنين متضرران ورافضان لاي طرح يرمي الى تغيير قانون الانتخاب السيء الذكر، المعروف بقانون الستين، الذي انتج ديموقراطية مشوهة، جعلت الاكثرية النيابية في مكان والاكثرية الشعبية في مكان آخر.
وتبدو "التسوية الرئاسية" المقترحة، جلية في سعي اصحابها لقطع الطريق على المطالبة باعادة تكوين السلطة في لبنان، خصوصا ان معظم اللبنانيين باتوا يطالبون بهذه الاعادة، انطلاقا من امرين يعانون من تشكيلهما سدادة تقف في وجه اي اصلاح سياسي؛ الاول: اصلاح التمثيل المشوه للبنانيين في مجلس النواب، لتصبح الاكثرية الشعبية والاكثرية النيابية في موقع واحد، عن طريق التخلص من "قانون التزوير الانتخابي" الذي تخطى عمره خمسة عقود، والذي نص اتفاق الطائف على تغييره، على ان يستبدل بقانون منصف يقوم على مبدأ النسبية في كل المناطق والدوائر، او اعتماد الدائرة الفردية بديلا عنه.
الامر الثاني الذي بات اللبنانيون يتهكمون لوجوده، ويرفضون استمراره، هو آلية انتخاب رئيس الجمهورية، هذه الآلية المعلبة، التي تؤثر فيها التدخلات الخارجية والسفارات ومصالح الدول، اكثر من تاثير اللبنانيين انفسهم، و لم يعد مقبولا منهم استمرار هذه المهزلة، فيما يتغنى بعضهم برفع شعارات الحرية والسيادة، وهو آخر من يعلم اسم رئيس بلاده، قبل ان تتوافق عليه سفارات القوى الكبرى والاقليمية؛ مما يحتم العودة الى الشعب اللبناني ليتمكن من قول كلمته في هذا الاستحقاق البالغ الاهمية، باعادة القرار الى الشعب مصدر السلطات، ليقوم باختيار رئيس البلاد مباشرة، ولو كانت هذه الالية متبعة، لما شهدنا هذا الارتباك الذي يعاني منه فريقا الثامن والرابع عشر من آذار.
الا ان اخطر ما في هذه المبادرة انها من البداية تفخخ العلاقة بين الرئيس الجديد وطرفي الصراع السياسي في لبنان، فما الذي يضمن الا يعمد الحريري وجنبلاط وحلفائهما، الى تكرار ما فعلوه من تهشيم لدور الرئيس السابق اميل لحود، في حال اصرار فرنجية على رفض مسايرتهم في مشاريعهم ومصالحهم الشخصية، خصوصا ان انتخاب فرنجية لا يمكن الا ان يترك ندوبا في علاقته ببعض حلفائه.
امر أخر تحمله "التسوية الرئاسية" في ثناياها، يشكل خطرا على صاحبها المعلن الرئيس الحريري، فالاصرار على استبعاد صاحب الاكثرية المسيحية عن رئاسة الجمهورية، دفع البعض من اليوم، الى المطالبة باستبعاد صاحب الاكثرية السنية عن رئاسة الحكومة، واذا كان المتعارف عليه سابقا ان وصول عون الى رئاسة الجمهورية يعني تلقائيا عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، فان وصول فرنجية الى بعبدا، يعني ان شخصا اخر، غير الحريري، سيصل الى السراي، والارجحية هنا هي لنهاد المشنوق، فهل هذا ما يريده الحريري من مبادرته؟