تجتاح العالم صراعات متعددة الأشكال والمبررات، من دون أن تجد الكثير منها تبريراً يمكن الاستناد إليه في القوانين الدولية، ولا في شرعات حقوق الإنسان، ولا في منطوق العقل السويّ.

لقد اتبعت بعض الدول مع انهيار الاتحاد السوفياتي، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، شرعة الغاب المستندة إلى القوة العسكرية كسبيل لتحقيق الأطماع المأمولة وغير المعلنة في كثير من الأحيان، وغلّفت ذلك بسيناريو تخويف العالم بأن الامن والاستقرار الدوليَّين مهدَّديين عبر جملة من الأكاذيب، التي تتيح لها تنفيذ المآرب القذرة، وبتأييد من الدول التي باتت تدور في فلكها، دون النظر إلى المؤسسات الدولية كناظم للعلاقات بين الدول.

جاء اجتياح العراق عبر حلف خبيث تقوده الولايات المتحدة، من دون طرح القضية على مجلس الأمن، في ذروة الضعف الروسي، كمؤشر صارخ على امتهان كرامة العالم بأجمعه، ونيل موافقة لاحقة بفعل القوة المفروضة أصلاً، والهدف إبلاغ لكل الدول أن الولايات المتحدة هي القطب الأوحد الذي يدير العالم، وعلى الآخرين التسليم والرضى، أو يكون المصير كالعراق، حيث فُتح نهر جديد هو نهر الدماء الذي ما زال يتدفق منذ نيسان 1993 بغزارة، وذلك جراء كذبة من الولايات المتحدة، ألزمت العالم بتصديقها، وهي أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وبات يهدد الأمن والسلام الدوليَّين، بينما أظهرت الحقائق أن الهدف النهائي هو الثروات في العراق، لا سيما النفط، وتمرير خط أنابيب عبر "إسرائيل".

أدت هذه الفضيحة الكارثية، مع ضعف الأقطاب الدوليين السابقين، إلى استذئاب الولايات المتحدة للهيمنة على العالم، فكان خروج المقاومة في العراق، رغم التمزّق الاجتماعي الذي خاطته واشنطن طائفياً وإثنياً وعشائرياً ومناطقياً، في وقت تجاوزت الإدارات الاميركية منذ الغزو كل الاعتبارات والقيم الدولية المتفق عليها.

الآن، ومع انكشاف سيناريوهات التضليل الدولي التي رسمت خططها الغرف الأميركية السوداء تحت عناوين "الثورات الملوّنة" والديمقراطية والحرية المزعومتين، باتت المواثيق الدولية بحاجة إلى تحصين، بعدما أطاحت بها السياسة الاستعمارية للغرب بقيادة الولايات المتحدة، سيما أن حلفاء واشنطن، وضمن السيناريوهات المُعدّة سلفاً، باتوا يتدخلون بوقاحة في شؤون الدول الأخرى، ويريدون الإطاحة بالسيادات الوطنية، تطبيقاً لشريعة الغاب الآنفة الذكر، وإلا كيف يمكن لدول أن تقصف أهدافاً على أراضي دولة دون التنسيق مع حكوماتها وأخذ الموافقة المسبقة، وما معنى أن تجتاح قوات تركية الأراضي العراقية، ويتبجّح المسؤولون الأتراك بأنهم لن ينسحبوا، ويستمرون في الاستفزاز؟! كما أن تركيا العضو في الحلف الأطلسي تفتعل مشكلات مع الجوار، وتقوم بتنفيذ اعتداءات في سورية، وتستفز روسيا، وسط سلسلة أكاذيب، بذريعة دعم الديمقراطية والحرية في سورية، وتقدِّم الدعم للإرهاب بكل تلاوينه، بما يخالف أبسط القوانين الدولية، لأنها عضو في حلف تقوده أميركا.

يضاف إلى ذلك أن الأدوات الأميركية بالمعنى السياسي، مثل السعودية، استنسخت روح العدوانية الأميركية مع التضليل إياه، وتتدخل بشؤون داخلية لأي بلد، من اليمن إلى سورية، بذريعة دعم الشعوب بمواجهة ديكتاتوريات، وكأنها النظام الأصلح والأكثر ديمقراطية في العالم، حتى أن وزير خارجيتها عادل الجبير الذي نشأ على أيدي المخابرات الأميركية بات يتوعد دولة مثل سورية، وكأنه هو الذي يعيّن رئيساً لها، ويقول إن الأسد عليه أن يرحل بالمفاوضات، أو سيرحل بالقوة.. وكأن القوانين الدولية مجرّد حبر على ورق.

ومن الأحداث التي تنسف أي معنى لما يسمى القوانين والاتفاقات الدولية، إقدام أوكرانيا على التمنّع عن دفع مستحقات مالية ثمن الغاز إلى روسيا؛ في سابقة خطيرة ترسم جزءاً من الفوضى الدولية.

الفوضى الدولية ومحاولة تغطية السلوك العدواني للغرب بقيادة الولايات المتحدة جرى التخطيط لهما منذ سنوات، ولم يكن الإتيان بالكوري الجنوبي بان كي مون ليكون أميناً عاماً للأمم المتحدة، لأن القانون الدولي لا يجيز أن يكون الأمين العام من بلد يكون في حالة عداء مع بلد آخر مثل كوريا الشمالية، كما تمّ الإتيان بالسفير الاميركي جيفري فيلتمان لوظيفة مركزية، وهو المعروف بعدائه الصارخ لقضايا الشعوب المحقة، وكان طرفاً سيئ السمعة والتصرف في لبنان، كما أن تيري رود لارسن لم يكن أقل سوءاً تجاه الشعب الفلسطيني وسورية ولبنان..

ما يجري اليوم من صراعات جرى التمهيد له للوصول إلى نسف القيم والقوانين التي تمنع المغامرين عبر الأكاذيب بتغيير ثقافة السلام إلى ثقافة الحروب والاقتتال.

يونس عودة