أثارت قضية بلدة "مضايا" السورية وما أثير عن حصارٍ تتعرّض له، وسط تعدّد الروايات بشأنه، "بلبلة" في ​مدينة صيدا​ بدأ ضجيجها يتدحرج ككرة الثلج، بين دعوة مفتي صيدا واقضيتها الشيخ سليم سوسان أئمّة المساجد لجمع التبرعات لأبناء البلدة، وبين اعتراض البعض وامتعاض البعض الاخر، وصولاً الى التوقيفات الامنية التي أخذت الملف برمّته الى منحى آخر.

وإزاء هذه التطورات، طُرِحت تساؤلاتٌ مشروعة خلال الساعات الماضية عمّا إذا كان من شأن هذه القضية توتير العلاقات "الفاترة" أصلاً و"المقطوعة بالمباشر" بين القوى الصيداوية المختلفة، فاذا كان المفتي سوسان ومعه عددٌ من أئمّة المساجد يعتبرون ان الموضوع انساني، فان الفريق الآخر يعتبر ان ما جرى تداوله مبالَغٌ فيه وهدفه تشويه صورة "المقاومة" ضمن حملة لم تتوقّف منذ بدء الأحداث السورية.

وإذا كانت معظم القوى الصيداوية، على اختلافها، لم تشأ التعليق بشكلٍ علني على الموضوع، فإنّ المعنيّين يؤكّدون بأنّ هذه البلبلة لن تطيح بـ"التفاهم" غير المباشر و"الساري المفعول" حتى اشعار آخر داخل صيدا والقائم على "تحييدها" من الانعكاسات السياسية لما يجري من خلافات في الداخل اللبناني وفي سوريا على واقع المدينة التي لم تتعافَ بعد من ظاهرة الارهابي الموقوف احمد الاسير، والاهم على حفظ أمن المدينة واستقرارها ومخيماتها الفلسطينية وعلى التمسك بمؤسسات الدولة وسلطة القانون وقواها الامنية والعسكرية كخيار لا رجعة عنه.

تبرعات وتوقيفات

في الوقائع، لبّت مساجد مدينة صيدا، بعد صلاة الجمعة حملة جمع التبرعات لإغاثة أهالي بلدة "مضايا" السورية بناء للتعميم الذي اصدره المفتي سوسان، حيث ركّز بعض أئمة المساجد في خطبهم على معاناة الأطفال والنساء والشيوخ هناك ومشاهد هذه المأساة، داعين الى صرخة وهبّة في وجه الضمير العالمي والانساني لنجدتهم ووقف ما وصفوه بــ"المجزرة الانسانية".

وقد لاقت الحملة قبولا، وبدت بمثابة "تعويض" عن الاعتصامات والاحتجاجات التي كان يتوقع ان تُنَظَّم، علمًا أنّ أوساط المفتي سوسان تشير إلى أنّ الحملة أُريد منها ان تمتص الاحتقان بحيث يشعر الغاضبون انهم قدّموا شيئا تجاه البلدة المحاصرة وابنائها، اي انها تبقى في اطارها الانساني دون أي احتقان على الارض او توتير.

غير ان بعض ردود الفعل من بعض المعترضين استدعت تدخّلاً من القوى الأمنيّة، حيث أوقفت دورية مشتركة من مفرزة استقصاء الجنوب ومخفر صيدا القديمة اللبناني علي جمعة، بسبب كتابته عبارات على مواقع التواصل الاجتماعي اعتُبِرت "مسيئة" الى اهل مدينة صيدا ومشايخها، وذلك على خلفية التبرعات التي جمعت، فيما اوقف فرع المعلومات كلاً من اللبناني يوسف كليب والفلسطيني محمود فناس بسبب نشرهم كتابات ضد المفتي سوسان على على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ادعى سوسان على كل من يظهره التحقيق "متورّطاً في نشر اكاذيب وافتراءات ضده"، على حدّ تعبيره.

حملة الدفاع

مقابل التوقيفات، اطلق بعض ابناء المدينة حملة "دفاعاً عن الحريات العامة وإبداء الرأي، وضد سياسة كمّ الأفواه"، مطالبين الحريّة للموقوف ليوسف كليب، على قاعدة "أن لبنان يمتاز عن سواه من الدول العربية بميزة الحرية والديمقراطية ولكن حقائق التاريخ والواقع الحالي يؤكدان سخافة هذه المقولة".

ويلفت القيّمون على هذه الحملة إلى أنّه "لا يليق بمفتي صيدا الشيخ سليم سوسان أن يعالج مسألة اتهام له في ذمّته المالية طرحت في وسائل التواصل الاجتماعي بهذه الطريقة، وهو المعروف عنه دبلوماسيته ولباقته وحسن تصرفه، وما كان ينبغي له أن ينجر إلى موقف ادعاء ضد هؤلاء الأشخاص الذين تناولوه بالاتهام، ومن ثم بخطفهم واعتقالهم من قبل فرع المعلومات"، ويعتبرون أنّه "كان من الأفضل أن يتصدى للأصوات الفتنوية التي تضخ في كلامها وحديثها وخطبها شحناً مذهبياً وطائفياً يهدد سلامة الأمن الوطني لا أن يتصدى لمن كتب رأياً على وسائل التواصل الاجتماعي إعجاباً وعطفاً على ما ذكر من قبل آخرين في هذه الوسائل".

ويرى هؤلاء أنّه "من حق الأجهزة الأمنية الإقدام على اعتقال المواطن إن شكل خطورة أمنية، وهذا حصل ويحصل، لكن أن تقدم هذه الأجهزة بأسلوب مافيوي على اعتقال مواطنين وزجهم في السجن بسبب رأي ذكروه على وسائل التواصل الاجتماعي، أو أبدوا إعجابهم به، وإن فيه اتهام لأي كان، فهذا يشكل اعتداء على الحريات في دولة طالما تغنى أهلها وسياسيوها ببلد الحريات وأولها حرية الرأي"، متسائلين: "هل رجال الدين ومنهم المفتي الشيخ سوسان، الذي نجل ونحترم، أنبياء معصومون لا يخطئون؟"

صحيحٌ أنّ القوى السياسية نفّست الاحتقان الذي تسبّبت به قضية "مضايا" إلى حدّ كبير، ولكنّ التوقيفات التي حصلت على خلفية آراء على وسائل التواصل الاجتماعي قد تفعل العكس، خصوصًا أنّ العديد من الناشطين بدأوا بالتلويح بخطواتٍ تصعيدية في حال عدم الإفراج عن الشباب، وهو ما سيتبلور خلال الساعات القليلة المقبلة...