بعد خمس سنوات من العبث التركي في الساحات العربية وما جرّ هذا العبث من دم وويلات، لاسيما في سورية وليبيا ومصر والعراق، ها هي تركيا بسياسييها تدخل الأتون، رغم المكابرة وعدم الاعتراف بالحقائق من قيادة ترفع من لهجة الوعيد علنياً وتتزلّف بعيداً عن العيون والأضواء لنيل كلمة أوابتسامة، بعدما أيقنت أن المخطط الذي رسمته بات هباء منثوراً.

إن سلسلة التفجيرات، من انفجار "سوروج" الذي استهدف حفلاً لـ"حزب الشعوب الديمقراطي" (الكردي)، نتيجة الشحن المتواصل ضده من سلطة رجب طيب أردوغان، إلى التفجيرات المتكررة في أنقرة واسطنبول، وما لذلك من تداعيات اقتصادية هائلة، خصوصاً على مستوى السياحة، كلها عوامل لا تشي بأن مستقبل تركيا سيكون مزدهراً، سيما أنها تتوغل أكثر فأكثر في الأتون السورية.

لدى السلطات التركية أزمات داخلية تحاول الهروب منها بالإسراع نحو افتعال مشكلات خارجية، للملمة الوضع الداخلي، بعدما رفعت منسوب القمع لدرجة أن المعارضة الداخلية بكل تلاوينها لم تعد تطيق كم الأفواه والاعتداء على الحريات، لاسيما المثقفين والصحافيين وأصحاب الرأي، خصوصاً بعد أن كشف صحافيون بالوثائق تورّط السلطات في دعم المنظمات الإرهابية، تحديداً "النصرة" و"داعش"، وتقديم السلاح لمنظمات أخرى، فضلاً عن محاولات زرع الجواسيس في كل المؤسسات، والتنبيه على كل الموظفين في ولايات يشكك في ولائها بضرورة الوشاية بزملائهم إن أتوا بكلمة تنال من أردوغان ورموز سلطته، ما أدى إلى وصف النظام ورأسه بأعتى الأوصاف الديكتاتورية.

السلطات التركية الهلعة من تعاظم المعارضة للنظام، انبرت مع تعالي الأصوات الداخلية لاتخاذ خطوات في إطار محاولات التحشيد من خلال التلاعب بالغرائز القومية وشد العصب، وكأن مصير تركيا كله على المحك، وهو ما انعكس في خطاب لرئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو الذي قال إنه إذا جرى تقسيم تركيا لدول قومية "فلن تقوم لها قائمة".

ما ورد على لسان أوغلو يؤشر إلى عمق الازمة الكبرى التي يعاني منها النظام التركي مع الأكراد الذين يطالبون بحقوقهم كمواطنين مضطهدين، وبالتالي فهي في عمق البلاد، بالإضافة إلى المشاكل المتعاظمة على الحدود مع الاكراد، لاسيما "حزب العمال الكردستاني".

الغريب أن الدول التي تنادي بالحرية وعدم القمع تصمت تماماً مع إعلامها عما يجري منذ نحو ثلاثة أشهر في جنوب شرق تركيا، وليس فقط في ديار بكر حيث القمع بلغ الزبى، فبلدة سور التاريخية تعرّضت للقصف بالطائرات والمدفعية على مدى أيام، وجرى تهديم سورها التاريخي الذي يضاهي في روعته سور الصين، وكذلك بلدة جزرة، وغيرهما من القرى التي لم تتمكن السلطات التركية من دخولها، رغم التهجير الكبير لأهل المنطقة التي لا يعرف أحد حجم الدمار فيها بسبب تجاهل الإعلام لذلك، الأمر الذي يشي بأن السلطات لا تسمح إلا لعيونها بالتوجّه إلى هناك، وسراً.

وما يعزز أن هناك مناطق لم تعد خاضعة للسلطات، قيام حزب العمال الكردستاني بإطلاق سراح 3 صحافيين من وكالة أنباء الأناضول تم توقيفهم لأنهم لا يحوزون على تصاريح تخوّلهم التجوّل في تلك البلدات.

الوضع الداخلي في تركيا كالنار تحت الرماد، وإن هبت رياح من حين إلى آخر تكشف عن مدى تأججه، ولا شك أن معركة حلب أشعلت كل الغرائز عند أردوغان، الذي يدرك أن الهزيمة هناك ستكون تداعياتها على كل الجبهات، ومنه الجبهة الداخلية، لذلك يتمسك كالغريق بأي شيء لإنقاذ نفسه، وحتى ارتكاب حماقة إشعال حرب إقليمية ان تمكّن، إلا أن الرياح الدولية غير مؤاتية، ولا بين أقرانه في الحلف الأطلسي الذين يحاولون حتى الآن ردعه بالنصائح قبل أن يتركوه لمصيره.