في التاسع عشر من آذار يستكمل العدوان الأطلسي (بغطاء من مجموعة مجلس التعاون الخليجي ودول تنتمي إلى جامعة الدول العربية، هي أقرب إلى ملحقات خلفية للدول النفطية) عامه الخامس، تحت عنوان "المساعدة في التخلص من الطاغية معمر القذافي وإحلال الديمقراطية والحرية"، لينال الحلف المشؤوم لاحقاً، وفي ظل هوان روسي آنذاك، غطاء بمفعول رجعي من الأمم المتحدة، ما يزال الشعب الليبي يدفع الثمن الأغلى من حياته وبلاده وبناه الفوقية والتحتية وثرواته الوطنية، وإلى أجل غير مسمّى، وليس بمقدور أحد أن يسميه، أو أن يقدّر ولو نظرياً الأمد المتوقَّع لهذا العدوان، بفعل تعدد العوامل الطارئة التي حلّت بليبيا، وليس أقلها بشاعة إعادة تجديد الحلف التدميري نيّته وضع اليد على البلاد التي زرع فيها الفتن العشائرية والمناطقية.

اليوم، وبعد خمس سنوات، ما تزال ليبيا غارقة أكثر فأكثر في حمام الدم "الديمقراطي"، وفي مستنقع "حرية" الإرهاب والاقتتال بأشكاله المتعدد، الجنسيات التي شاركت في العدوان وموّلته، بحيث أصبح لكل من تلك الدول أذرع أخطبوط يلتفّ على عنق الليبيين الذين فرّقتهم "عدالة الحرب الناعمة وفوضاها الخلاقة"، والتي كانت "داعش" إحدى إبداعاتها الإرهابية، وهو نفسه التنظيم الذي يُستخدم فزّاعة على ألسنة الأطلسيين أنفسهم بقيادة الولايات المتحدة، تمهيداً لغزو متجدد لليبيا، بعد أن تتفاهم مكونات الحلف على كيفية تقاسم، ولو ورقياً، الثروات الليبية.

الغزو الجديد يتزايد الحديث عنه مع فشل الأمم المتحدة ومندوبها في إيجاد صيغة أخذت على عاتقها بلورتها، لجمع الليبيين تحت سلطة حكومة ائتلافية، سيما أن تسريبات فضحت وصول وحدات خاصة من فرنسا وإيطاليا إلى مواقع في ليبيا، بالتوازي مع إنشاء غرفة عمليات تنسيقية في روما، وفق ما ذكر قائد قوات العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا؛ الجنرال دونالد بولدوك، الذي تحدّث عن استعدادات أميركية وأوروبية للتدخل العسكري، بمعزل عن الجيش الليبي الذي يقوده الفريق خليفة حفتر، الذي يواجه كراهية من المتطرفين، سواء من "داعش" أو أولئك الذين يدورون في الفلك السعودي أو الإماراتي أو التركي - القطري، فلأولئك جميعاً ميليشيات ترفض الانتقال إلى مظلة الحكومة فعلياً، لا بل يخوضون معارك عسكرية دامية ضد الجيش، خصوصاً في بنغازي، وهذا الجيش لا يملك من السلاح إلا ما تيسّر، مقابل أسلحة أكثر تطوراً مع تشكيلات الإرهاب على اختلاف معالفها، ويحتاج الجيش إلى أسلحة ما يزال الغرب يحظرها، رغم أنه قدّم مهارات في الميدان أدت إلى مكاسب يُعتدّ بها.

الغرب يسعى ويمهّد الميدان لغزو جديد، رغم التكذيبات والسجالات بين الأميركيين والإيطاليين، فقد اتهم الجنرال الأميركي إيطاليا بإرسال خمسة آلالاف جندي، فسارعت إيطاليا إلى التكذيب، مع التشديد على أنها لن تتدخل إلا في حال طلبت الحكومة الليبية الشرعية التي تنال ثقة البرلمان مثل هذا التدخل، باعتبار ذلك يمنح الشرعية للتدخُّل، لكنه يبقى نزاعاً ضمن الوحدة، بانتظار "نضوج الكعكة".

اقتسام "الكعكة الليبية" واقع لا محالة، لاسيما بعد استحالة عودة البلاد إلى الاستقرار، وبقرار مشترك بين الولايات المتحدة الأميركية وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، وكل من تلك الدول تستبعد أي دور لأي دولة أخرى، بما في ذلك للجارة الأكثر تأثيراً، وهي مصر، وكذلك الدول الوازنة على المستوى العالمي كروسيا، وهذا الأمر كان مدار بحث هاتفي بين الرئيسن فلاديمير بوتين وعبد الفتاح السيسي، فهُما ومعهما الصين يتلمسون الإعداد الأطلسي للغزو الثاني، بعدما فشل الحلف في فرض حظر جوي في مجلس الأمن، جراء امتناع روسيا والصين عن التصويت على مشروع كانت مظلته الجامعة العربية.

الوضع في ليبيا على كف العفريت الأطلسي، الذي ينتظر تفويضاً من حكومة شكّلها مرتين في أقل من شهر، ولم تنل الثقة، لأن "الكعكة" لم تنضج بعد، رغم النار القوية التي تحيطها.