في الساعات الماضية، طرحت أسئلة حول الأسباب التي تدفع جبهة "النصرة" ‏الإرهابية إلى خيار التصعيد، على جبهتي ريفي حلب واللاذقية، بعد فترة من ‏الهدوء الحذر، بالرغم من أن الهدنة الهشّة على الساحة السورية، القائمة بموجب ‏الإتفاق الروسي الأميركي لا تشملها، لكن العودة إلى قراءة مسار الأحداث على ‏أرض الواقع، في الفترة الأخيرة، توضح حقيقة الموقف، نظراً إلى أن الميدان ‏العسكري لا يزال هو الحكم أولاً وأخيراً.‏

بغض النظر عن الخلاف بين جبهة "النصرة" وتنظيم "داعش" الإرهابي، لم يكن ‏أمام أنصار أبو محمّد الجولاني، بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، إلا مراقبة ‏التحولات الكبرى على الجبهات التي يقاتل فيها أنصار ​أبو بكر البغدادي​، حيث ‏نجح الجيش السوري، بالتعاون مع حلفائه، في تحقيق إنتصارات نوعية سريعة، ‏خصوصاً في تدمر والقريتين، مستفيداً من الهدوء الذي يسيطر على المناطق ‏الأخرى، مقابل تقدم "قوات سوريا الديمقراطية" في ريفي الحسكة ودير الزور.‏

وفي حين شاركت بعض الفصائل المنضوية في إتفاق الهدنة في الهجمات الأخيرة، ‏خصوصاً في ريف حلب الجنوبي، كان واضحاً أن الدور الرئيسي هو لـ"النصرة"، ‏التي رفضت منذ البداية الإعتراف بوقف إطلاق النار، لا بل هددت في أكثر من ‏مناسبة بالعمل على إفشالها مهما كان الثمن، إلا أنها لم تقدم على أي خطوة إلا بعد ‏أن فرضت على مجموعات مسلحة أخرى الذهاب نحو هذا الخيار، لا سيما بعد أن ‏أظهرت المفاوضات السياسية أن الأمور ليست في صالحها، وهو ما تُرجم من ‏خلال مواقف كل من حركة "​أحرار الشام​" و"​جيش الإسلام​"، إلا أن النقطة ‏المفصلية تبقى هي التطورات على الجبهات مع "داعش".‏

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ "النصرة" تدرك جيداً ‏أنها ستكون الهدف التالي بعد القضاء على "داعش"، أو على الأقل بعد الحد من ‏قدرات التنظيم الإرهابي الأخطر على مستوى العالم، بسبب عدم القدرة على إبعاد ‏صفة الإرهاب عنها، خصوصاً بعد رفضها في السابق كل الدعوات التي وجهت لها ‏لفض "البيعة" لزعيم تنظيم "القاعدة" ​أيمن الظواهري​، وبالتالي هي بدأت تشعر ‏بأن الخطر يقترب منها، بعد أن بات الحديث عن أن معركة الرقة أصبحت قاب ‏قوسين أو أدنى من الإنطلاق، الأمر الذي يتطلب منها التحرك لتشتيت القوات ‏السورية، لمنعها من التفرغ لاحقاً لقتالها بكل راحة.‏

بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا لا يعني أن "النصرة" تقترب من التحالف مع ‏‏"داعش" اليوم، لكنها في الوقت نفسه لا تجد أن من مصلحتها إلحاق الهزائم ‏المتسارعة به، على قاعدة أن هذا الأمر سوف يصب في صالح الحكومة السورية، ‏التي ستستطيع لاحقاً تكرار عملية نقل قواتها من جبهة إلى أخرى، كما فعلت عند ‏بداية معركة تدمر، وبالتالي زيادة الضغط عليها، في حين هي تواجه أزمة ثقة مع ‏الفصائل المعارضة المتحالفة معها، بسبب رغبة أغلبها بالدخول في المسار ‏التفاوضي.‏

وتلفت هذه المصادر إلى أن لدى قيادة الجبهة الإرهابية مخاوف حقيقية، حيث كان ‏الحديث قبل أشهر عن عدة سيناريوهات من أجل القضاء عليها، منها تقديم الدعم ‏إلى الجناح الذي يريد الإنفصال عن "القاعدة" من قبل بعض القوى الإقليمية ‏والدولية، بهدف إحداث شرح داخلي فيها، لا سيما أن أغلبية العناصر السوريين ‏فيها لا يمانعون هذا التوجه، مقابل إصرار من يُسمون بـ"المهاجرين"، أي المقاتلين ‏الأجانب، على رفضه، ما دفع البعض إلى تلميح لإمكانية تصفية القيادة الحالية عبر ‏عمليات أمنية نوعية، كما هو الحال مع قيادة "داعش"، لكن بهدف ترجيح كفة ‏جناح "الأنصار" على الآخر لا القضاء عليها كلياً، من أجل إستثمارها سياسياً في ‏المرحلة المقبلة، بسبب إستبعاد خيار إنخراطها في المفاوضات السلمية في ظل ‏القيادة الحالية.‏

بالتزامن مع هذه الوقائع، توضح المصادر نفسها أن الرغبة في القضاء على ‏‏"داعش"، لدى بعض الدول الغربية والإقليمية، لا تعني أن يكون هذا الأمر بالشكل ‏القائم حالياً، أي عبر الجيش السوري، نظراً إلى أن هذا لن يكون لصالحها على ‏الإطلاق، حيث أن الصراع الأساسي لا يزال حول هوية القوى التي سترث التنظيم ‏الإرهابي في المستقبل، بعد تحرير المناطق التي يسيطر عليها في الوقت الراهن، ‏وبالتالي من المفترض أن يكون ذلك على أيدي القوى "المعتدلة" التي تدور في ‏فلكها، من أجل حجز موقع لها على طاولة المفاوضات، وهو ما يُفسر إعلان ‏الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تسليم بلاده الولايات المتحدة لائحة ‏بأسماء مقاتلين يرغبون في قتال "داعش"، وإعلان واشنطن عن عودة برامج ‏تدريبها المعارضة المسلحة، بالتزامن مع تحول على مستوى ولاءات العشائر في ‏بعض المناطق.‏

في المحصلة، لا يزال الحل السلمي، على الرغم من الإتفاق الأميركي الروسي ‏على الخطوط العريضة، بعيداً عن الساحة السورية، بانتظار بلورة بعض الوقائع ‏الميدانية بهدف ترجمتها لاحقاً على المستوى السياسي.‏