طرحت نتائج قمة مجلس التعاون الإسلامي التي عُقدت في تركيا، أسئلة من العيار الثقيل بخصوص معنى وجود مثل هذا التكتل المنحرف عن الأهداف الأساسية له، سيما أن قراراته تتناقض مع علة وجوده، كما أنها تحمل تناقضات من نوع آخر تسبِّبها أهواء بعض الأعضاء الذين تحرّكهم غرائز ذاتية أكثر مما تحرّكهم مصالح الأمة.

القضية الفلسطينية هي الشعار التي استظلّها المتحمسون لإخراج القمة بقرارات لم تُعطِ فلسطين سوى "جثة محنَّطة"؛ هي عبارة عن لجنة لمتابعة الأمر المستمر على هذا المنوال منذ تأسيس الكيان الغاصب على أرض فلسطين، وجاءت القرارات الأهم لتعكس الأحقاد التي تختزن في نفوس المتنفذين بأموالهم ووعودهم الكاذبة، جراء فشلهم التاريخي في تقديم ما يمكن أن يشكّل ظهيراً حقيقياً للنضال الفلسطيني.

البيان الختامي لأولئك المجتمعين على السوء لفلسطين وشعبها، مع "الكليشهات" التاريخية الباهتة، رضخ للأهواء السعودية، فأعلنوا "إدانتهم" لما وصفوه "تدخُّل إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ودول أخرى أعضاء في المنظَّمة، منها البحرين واليمن وسورية والصومال، واستمرار دعمها للإرهاب".

ليس غريباً أن تكون الدعوة على هذا المنوال، بعد تحضير الكثير من الأعضاء وتطبيعهم وإذلالهم أميركياً و"إسرائيلياً"، إنما الذي يستدعي التوقّف هي تلك الوقاحة التي تعشعش في نفوس مريضة لا ترى حجم التدخُّل التركي السيئ الصيت والسمعة، وباعتراف الغرب قبل الشرق، وحجم التدخل المذكور في سورية والعراق، والذي لم يكتفِ بدعم الإرهاب المعلَن، بل بتدخُّل عسكري مباشر ومشهود، وهو أمر يدلل على مستوى الفجور الذي وصلت إليه تلك الأطراف، فضلاً عن التدخُّل في ليبيا، وهو أيضاً أمر معروف ومعلَن، وهناك سفن محمَّلة بالأسلحة وميليشيات هي شواهد لا تُردّ، فضلاً عن بواخر الأسلحة التي تمّت مصادرتها، سواء تلك التي كانت في طريقها إلى لبنان، أو مؤخراً في اليونان، أو تلك التي كانت في المياه اللبنانية وأُرسلت لمجموعات إرهابية تدور في الفلك السعودي.

لم يلحظ المجتمعون أن السعودية تشنّ عدوانين مباشرين عبر أحلاف شكّلتها للاعتداء على الشعب اليمني ووطنه ومقدراته التاريخية، وتمويل الإرهاب بكليّته في سورية، وكأن هذه الجرائم لا تشكّل تدخلاً في الشؤون الداخلية.

يبدو أن الجناح السعودي الذي يقوده الملك سلمان ويتولى نجله محمد تظهير مؤشراته العدوانية، يستمر في الجنوح بخوض الحروب بلا أدنى حسابات موضوعية، بوهم الوصول إلى زعامة إقليمية، كنتاج لسياسة القتل والتدمير والإرهاب، وكذلك الاحتماء بـ"إسرائيل" كقوة حين الحاجة، لأن السعودية تسلّف "إسرائيل" خدمات لا تحلم بها، مثل تشكيل حلف معادٍ لإيران، وكذلك لحزب الله الذي كسر شوكة "إسرائيل"، وذلك ضمن التقاسم الوظيفي بينهما، أو على الأقل تبادل الخدمات والمصالح.

لقد نجحت السعودية في استغلال قمة اسطنبول لرفع مستوى العدوانية تجاه إيران وحزب الله، بعد أن أدّت الوظيفة المطلوبة أميركياً و"إسرائيلياً"، وقد يتهيأ للجناح الموتور أن الحفاوة التي أحيط بها الملك سلمان وتقليده الأوسمة الرفيعة في مصر وتركيا مع شهادات الدكتوراه، يؤهّلان السعودية لقيادة الدول في المنطقة، وعبر بعض الإغراءات المالية لقادة تلك الدول المتهافتة على حفنة من الدولارات أو الاستثمارات الموعودة أو بعض براميل النفط التي سال لعاب البعض شوقاً لرؤيتها، لكن دون ذلك درب طويل جداً إذا اخذنا بالاعتبار الأتي:

1- فشل الملك سلمان، رغم المغريات المقدّمة لمصر، ومنح الرئيس المصري له جزيرتي "تيران" و"صنافير" بموافقة وعِلم "إسرائيل"، في أن يُجري مصالحة مصرية - تركية، وعكَس ذلك انسحاب الوفد المصري برئاسة وزير الخارجية فور تسليم رئاسة القمة، من دون أن يصافح أردوغان.

2- الخلاف السعودي - المصري بشأن الأزمة السورية ومصير الرئيس بشار الأسد، مقابل التطابق السعودي - التركي في هذا المجال كداعمَين للإرهاب.

3- الخلاف المصري - السعودي حيال الأزمة اليمنية وكيفية تسويتها، ورفض مصر الانخراط في القتال ضد اليمنيين، كما أن لمصر نظرة تتناقض مع الرؤية السعودية المتهوّرة بشأن التسوية بين "أنصار الله" وجماعة منصور هادي.

4- فور انتهاء أعمال القمة التي انسحب من جلستها الختامية الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني، سارع الرئيس التركي إلى لقاء روحاني انطلاقاً من الإدراك أنه لا يمكن استبدال إيران بالسعودية على كل المستويات، وإن كان التناقض هو الفيصل على الساحة السورية.

من الواضح أن السعودية تذهب في سياسة لا تدرك أنها قد توصلها إلى مرحلة تحطيم العظام إذا تمادت بعد، ويبدو أنها متمادية، سيما عشية القمة التي سيعقدها مجلس التعاون الخليجي بحضور الرئيس الأميركي، بعد لقاء منفصل مع الملك السعودي، وربما ما أراده السعوديون من قمة اسطنبول هو رسالة إلى اوباما قبل القمة، وإشارة في الوقت نفسه إلى بنيامين نتنياهو بأن يضغط أكثر كي يكسب تأييد واشنطن لخطوة ضم الجولان إلى الكيان الغاصب، بموافقة سعودية.