بمعزل عن جدية اطراف الصراع اليمني لجهة الالتزام بالهدنة، فان مهمة التحكم الكامل بتدحرج الازمة ومحاولات تشريحها من قبل اي طرف لصالحه تبدو مهمة مستحيلة، حكما بالتركيبة المعقدة لقوى النفوذ اليمني بامتداداتها الاقليمية والدولية، ما يحتم على المتحاربين التفتيش على مخارج تحفظ ما كان ثابتا من مصالح حاليا قبل الوصول الى خواتيم الازمة مستقبليا.

للساحة اليمنية واقعية معقدة سياسية وجهوية اضيفت اليها في الفترة الاخيرة الصبغة الطائفية، عنصر الانهاك الظاهر منه والمخفي بات يشكل عبئا على المتحاربين الموزعين على جبهات القتال، عبء الداعمين لهؤلاء المتحاربين بدا يظهر بعد عام على حرب خاضها الطرفان بفائض من الثقة والحماس انطلاقا من حسابات خاطئة بنيت على ميزان الربح او الخسارة الكلي، مع تسجيل اغفال مقصود او غير مقصود لحقيقة توزع القوى المتوارثة تاريخيا لحصص السلطة سواء لناحية النزعة الانفصالية التاريخية شمالا وجنوبا، او عبر ارهاصات الثقل الاقليمي لاسيما السعودي منه على التوازن الداخلي.

في عودة جزئية الى مسار الحرب اليمنية، وتحديدا بدء التحالف العربي بقيادة السعودية عملياته الجوية في اذار العام الماضي، تعددت القراءات حول اهداف التحرك السعودي وهواجس المملكة لحديقتها الخلفية، في حسابات الرياض تمدد حركة انصار الله في مختلف مناطق اليمن وتسجيلها نجاحا ملحوظا في حجز مركز قرار سياسي يشكل ثقلا عليها وضعها في حالة ترقب، هذه الحال لم تستسغها الرياض فالحركة اضحت حليفة الرئيس السابق علي عبدالله صالح المتنصل من تحالفاته التاريخية مع الرياض والمنقلب على مصالحها الاسراتيجية وفق الرؤية السعودية، هذه الاخيرة نفذت في بدء تدخلها المباشر قصفا عنيفا لمراكز الحوثيين والجيش اليمني، راهنت القيادة السعودية على كبح الجموح "الحوثي" ودفعه القسري نحو التراجع بعيدا عن صنعاء، في المقابل لدى "الحوثيين" حسابات اخرى اعتمدت على مبدا السيطرة على الارض، انفلشوا شمالا وجنوبا، وصلوا الى عدن، فاصطدموا باشكالية الحراك الجنوبي، استتبع بزيادة القصف السعودي والتحضير لعمليات اكبر.

أخطأ السعوديون في قراءة اصرار "الحوثيين" وحلفائهم في خوض المعركة، كذلك أخطأ الحوثيون في قراءة حدود الاندفاعة السعودية، ومدى جدية الرياض في الاستمرار و تطوير انخراطها في المعركة مباشرة، ضعف التحكم بطبيعة الخيارات المتتالية من قبل الطرفين زاد الوضع تازيما واستشرس المتحاربون في القتال اكثر، وزجت السعودية وحلفاؤها بقوات اكبر، وفي نهاية المطاف اعادت هذه القوى جدولة حساباتها، مع ان ملامح النهاية لم تتضح بعد.

شكلت التهدئة الحدودية المفترق الرئيسي لبدء البحث عن طريق للحل، ولا سيما عند الرياض التي عانت من الحدود المفتوحة، حيث تتساقط القذائف على مناطقها وباتت تعلن عن سقوط قتلاها على لسان قياداتها، هذه الهدنة فتحت الباب نحو انسحابها الى المناطق الاكثر سخونة في الداخل.

التغييرات الحكومية الاخيرة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تقاطعت مع اتصالات اجراها المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ بين صنعاء والرياض، تغييرات عنوانها عسكري بقدر ما هو دبلوماسي للدفع قدما نحو انجاح التهدئة الميدانية قبل الغوص في تفاصيل الازمة السياسية، خصوصا ان نائب الرئيس الفريق علي محسن الاحمر ملم تماما بتقاصيل الصراع، قادر على تنفيذ الهدنة على الارض نظرا لخبراته العسكرية واتصالاته القبلية المتجذرة منذ سنوات، وقادر ايضا الى اعادة اشعال الجبهات في حال قررت الرياض ذلك، فحروبه الست ضد الحوثيين تشكل جزءا من تاريخه الحافل بالمعارك.

في المعطيات الحالية يسجل نجاح مقبول للهدنة في محاور القتال، هي اختبار لوقف شامل للمعارك، ما يفسح المجال لايجاد حل سياسي وتوافق على صيغة ما للحكم الجديد، ولربما الحديث عن ترتيبات الرياض للوضع في جنوب اليمن مقدمة لاجراء حوار مباشر مع "الحوثيين" وحليفهم صالح.

ولكن على الرغم من الاجواء التفاؤلية المدعومة دوليا عبر تاكيد وزير الخارجية الاميركي جون كيري دعم بلاده لوقف الحرب في اليمن، تتجه الانظار الى المحادثات اليمنية في الكويت وسط اصرار من "الحوثيين" على تلازم وقف النار وبدء المفاوضات، الا ان مسودة ولد الشيخ لا تزال تخضع للنقاش فصيغة المحادثات واجندتها غير معروفة، وهواجس مفاوضات سويسرا الفاشلة تخيم على مفاوضات الكويت.