هبوب الرياح العسكرية الاميركية تجاه الرقة السورية يمثل منعطفا استراتيجيا في سياسة واشنطن لناحية جديتها في محاربة تنظيم داعش، قرع طبول الحرب بزخم اكبر في هذا التوقيت بالذات تحت شعار تحرير المدينة من الارهاب تسعى عبره واشنطن الى كبح اندفاعة موسكو نحو المنطقة، الهادفة وفق رؤية الكرملين الى استباق اي تمدد ارهابي نحو الحدود الروسية، المطوقة بتيارات اسلامية متشددة، امارة القوقاز اولها وقد لا تكون اخرها

الاجتماع الاخير لوزراء خارجية الدول الخليجية، ونظيرهم الروسي سيرغي لافروف ضمن الحوار الاستراتيجي بين الطرفين، وعلى رغم تواضع نتائجه، سجل اعترافا خليجيا بدور روسي رئيسي في مستقبل المنطقة والشرق الأوسط عموما، سوريا من ابرز بواباته.

تزايد التقارب الروسي الخليجي وان كان جزئيا يثير غضب واشنطن، التي لن تسمح لموسكو بتعزيز نفوذها اكثر في سوريا، وبالتالي تمدد اكبر في المنطقة، على حساب نفوذها المتراجع تحت وطاة ضعفها ان لم يكن تواطؤها كما يقول كثيرون لجهة عدم حسم المعارك ضد الارهاب، ونظرا لقدراتها العسكرية و تحالفاتها السياسة وعلاقاتها مع دول المنطقة وعلى راسها الخليجية.

في قراءة سريعة للمشهد العراقي والسوري معا وتحديدا معركتي الفلوجة والرقة، فان الفورة الاميركية المفاجئة هناك ستمكن واشنطن من اثبات جديتها في محاربة داعش بمعزل عن موسكو، كذلك ستمثل منعطفا حاسما في مكافحة الإرهاب، ما يجعل الادارة الاميركية الحالية تحمل راية مقارعة الارهاب من جديد في العالم، بعد الدور الروسي المستجد في هذا الصدد.

الطوق الاميركي المفترض انجازه ضد داعش يمتد جغرافيا من الفلوجة الى الرقة، انها مساحة جغرافية كبيرة، بيد ان ابعادها السياسية اكبر، لناحية نجاح اميركي بتنفيس غضب اقليمي على سياساتها المتهاونة مع الحلف الروسي- الايراني في مناطق تعد ضمن نطاق حلفاء واشنطن.

بعد انجازات الفلوجة تبقى الرقة مفصلا لضرب عاصمة تنظيم داعش، وفي مقابل تقدم قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا، وفي ظل دعوات روسية للتنسيق حول العملية، احرز داعش في المقابل تقدما على حساب الفصائل المسلحة الاخرى في ريف حلب الشمالي، مطبقا على مدينة مارع.

واشنطن المتجاهلة لدعوات موسكو لتنفيذ غارات مشتركة على مواقع داعش وغيرها من التنظيمات المسلحة، تبدو مترددة بتوحيد الجهود العسكرية مع موسكو، ولا سيما أن النشاط الجوي الروسي يقتصر بشكل رئيسي على أجواء غرب سوريا، وبالتاكيد لن يرضى الرئيس الاميركي باراك اوباما بوضع انجاز جديد في سجل نظيره الروسي فلاديمير بوتين ضد الارهاب بعد انجاز تدمر الاستراتيجي ضد داعش.

نجاح القوات الأميركية بالقضاء على داعش في الفلوجة والرقة، سيمنح اوباما استعادة موقف متقدم في المنطقة، وهو أمر سينعكس حتما على مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية بين المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين.

وفيما يبدو ان روسيا تستعد للقضاء على جبهة النصرة في شمال ريفي حلب وإدلب، وهي مناطق محاذية للحدود مع تركيا، السؤال يبقى حول ما يخطط للرقة في حال استعادتها من داعش في ظل النظام الفدرالي الذي يعمل الأكراد على إنشائه في الشمال السوري، باعتبار أنهم يمتلكون الدور الاكبر في المعارك ضد داعش، وطبعا لواشنطن الدور الرئيسي المقرر فيها، لذلك فالحلم الكردي نحو طريق إقليم روج آفا او شرق كردستان المحاذي للحدود التركية لا يزال بعيدا، بسبب اصرار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على رفض اي دور كردي سواء داخل تركيا اوعلى حدودها.