يعيش اللبنانيون هذه الأيام على وقع فضائح "القطاع التربوي" من بوابة ​الامتحانات الرسمية​ التي أظهرت وجود "شبكات" على مستويات مختلفة، تسهم في تزوير الامتحانات، او تسريب الأسئلة، او تسهيل الغش. ما يعني أن هذه الوسائل، على اختلافها، تمنح الفرصة لغير المستحقين من التلامذة، للحصول على الشهادات الرسمية. ولكن، يظهر التدقيق، أن هناك "جامعات" تمنح الشهادات لغير مستحقيها، طالما أن هذه "الجامعات" لا تستحق اصلاً هذه الصفة.

البداية من النهاية. فمن اصل جامعة مرخّصة في لبنان، لم تتمكن الاّ 10 من دخول التصنيف ضمن قائمة ال100 جامعة عربية، 5 ضمن قائمة الخمسين الأولى، وفق قائمة (كيو اس) العالمية "Quacquarelli Symonds" للعام 2015-2016، بعد التصنيف العام لـ192 جامعة من اصل 270 جامعة في 21 دولة عربية.

وفيما حلت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المركز الأول عربياً، فقد حافظت الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) على مركزها الأول ضمن جامعات لبنان وحلت ثانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفق تصنيف "كيو أس، واحتلت الجامعة اللبنانية الأميركية المركز 15، تلتها جامعة القديس يوسف في المركز 17، ثم جامعة البلمند في المرتبة 28، فالجامعة اللبنانية 31، جامعة سيدة اللويزة 38، جامعة بيروت العربية 39، جامعة الروح القدس- الكسليك 61، جامعة رفيق الحريري (الكندية) 71، والجامعة الأنطونية في المرتبة 91.

انعكاس سلبي على الواقعين التعليمي والوظيفي

هذا الوضع، بدأ ينعكس سلباً اكثر فأكثر على الواقعين التعليمي والوظيفي في لبنان. وبحسب الأرقام، فهناك 46 جامعة في لبنان، الجامعة اللبنانية و45 جامعة خاصة. اما عدد الطلاب فهو 192800 طالب جامعي وهو رقم خطير، بحسب المعنيين. نصف اعداد الطلاب في الجامعة اللبنانية، والنصف الآخر يتوزّع على الجامعات الخاصة. الجامعة اللبنانية تثبت التعليم بالشكل اللائق، وكلية الهندسة في روميه من الأهم في الشرق.

هذه الحال نجمت عن "الدكاكين التعليمية" التي منحت الرخص في شكل عشوائي ما بعد العام 1990. فتحوّلت مدارس ومعاهد مهنية الى جامعات، وهي تفتقد الى المعايير المطلوبة. وبات معها الطالب، كمن يشترك في البرنامج الفرنسي الشهير "tout le monde a gagne"، اذ يضمن نجاحه بمجرد تسديده للاقساط". يضاف الى ذلك، السنوات التعليمية التي تختصر الدروس، فتدفع الطالب الى سوق العمل باكراً، باقل خبرة ممكنة، وهو ما يدفع اليوم بالشركات الكبرى الى ان العديد من المتقدمين للعمل "لا يعرفون كيف يعملون او يفكرون".

اليوم يشكو المتابعون واهل الاختصاص من أن المستوى الثقافي لدى الطلاب والخريجين يتدنى. فبينما للجامعة دوران، تعليمي وبحثي، يكتفي العدد الأكبر من الجامعات بالصفة التعليمية. ويقول العارفون ان المسؤولية تقع في الدرجة الأولى على مديرية التعليم العالي في وزارة التربية، حيث لا رقابة تربوية فعلية، يجب ان تكون من اهل الاختصاص. ولكن، تكمن المشكلة فيان بعض من أوكلت اليه المسؤولية لا يتمتع بالمواصفات المطلوبة للقيام بهذه المسؤولية.

في هذا الوقت، يطرح اهل المعرفة السؤال الآتي: لماذا على حامل إجازة الحقوق، التدرّج لثلاث سنوات قبل ان يصبح على جدول النقابة، ولا يعتمد الأمر عينه في اختصاصات أخرى. من هنا، يطرح الخبراء الزامية التدريب لدى التعليم الجامعي، ما يعني ان على الطالب الجامعي الخضوع لدورات تدريب في الشركات والمؤسسات.

ويقول الرئيس المؤسس لجمعية مبادرات وقرارات التي تعني بالتنمية والقيادة، الدكتور دال حتي، وهو خبير بموضوع التوجيه المهني في لبنان ان "32 الف طالب جامعي يتخرجون سنوياً في لبنان، و5000 في مجال التعليم المهني، يضاف اليهم حوالى ال3000 بنتيجة التسرّب من الجامعات والمدارس المهنية،ما يجعل المقبلين على سوق العمل حوالى ال40 الف متخرّج. ويضاف الى هؤلاء ايضاً حوالى العشرة آلاف عائد من الخارج سنوياً، ما يعني ان 50 الف لبناني يذهبون الى سوق العمل، فيما هناك 15 الف فرصة عمل جديدة فقط لا غير".

ويشرح حتي ان هذا الواقع " 35 الف لبناني الى عاطلين عن العمل، الامر الذي يؤدي الى الانحراف والمخدرات والإرهاب وما الى ذلك".

وبحسب إحصاءات العام الماضي، ومن اصل 32 الف خريج جامعي، فإن 14 الف خريج ومتخرجة من 4 اختصاصات هي الادب العربي، الادب الفرنسي، الادب الإنكليزي، والآداب الدينية لا فرص عمل لهم حالياً في لبنان، وهي اعداد خطيرة وفي تزايد مستمر. وعلى الرغم من ان لا حاجة الى خريجين في الصيدلة وطب الاسنان، يغيب التوجيه، ويستمر تدفق حاملي الشهادات الى أسواق العمل. في المقابل، وفيما الحاجة الى خريجين من أصحاب الشهادات في ميكانيك الكهرباء والتدفئة والتمريض على سبيل المثال، فإن الاقبال على هذه الاختصاصات دون الاعداد المطلوبة. كل ذلك يعود الى غياب التوجيه، فيما الجامعات تسوّق لما لديها من اختصاصات، ولا تقدّم ما يحتاجه السوق وما يمكن ان يستفيد منه الطالب.

بناء على ما تقدّم، لا يبدو الواقع التعليمي في لبنان بخير، وقد يحتاج الى خطوات جريئة. صحيح ان العديد من المدارس والجامعات تعتبر من الأفضل في المنطقة والعالم، ومن بينها العديد من كليات الجامعة اللبنانية، الاّ ان استمرار الوضع على ما هو عليه، سيزيد من المأساة، ويحوّل الطلاب الى حاملين للفيز، يهاجرون الى الخارج، ويخسر لبنان معهم طاقات كبيرة بسبب سوء التوجيه، وسوء الادارة وغياب المحاسبة. بينما يبقى الاقبال على التعليم المهني، الذي بات الحل في دول العالم، دون المستوى المطلوب. فمتى يتخذ القرار الجريء؟ ومن يتخذه؟