كثرت الاقاويل والشائعات والتحليلات عن أهداف ونوايا المنظمات الإرهابية من تفجيرات ​القاع​ التي حصلت بتاريخ 27 حزيران الجاري، فمنهم من فسّر هجوم الانتحاريين على انه مخطط لتهجير المسيحيين من المنطقة كون القاع بلدة مسيحية حدودية، ومنهم من ربط الهجوم بأهداف استراتيجية لتنظيم "داعش" الإرهابي الذي بدأ يفقد مواقعه في سوريا والعراق، فاتّجه الى الساحة اللبنانية لالهاء اعدائه، وذهب البعض في تحليلاته الى تصادف تاريخ 27 حزيران 2016 مع 27 حزيران 1987، عندما نفذت قوات الاحتلال السوري مجزرة بحق أبناء البلدة...

بعيداً عن التحليلات السياسية والطائفية والغرائزية، برأينا أنّ التفجيرين اللذين نفذتهما التنظيمات الإرهابية دفع نتيجتهما أبناء القاع الأشداء وافتدوا بدمائهم ارواح عشرات بل مئات المواطنين الأبرياء الذين كانوا سيسقطون فيما لو تمكن الارهابيون من تنفيذ هجماتهم الانتحارية في المناطق التي حددت أهدافاً لهم من قبل مشغّليهم.

من معلومات مستقاة من مصادر أمنية، ومن معرفة متواضعة بطريقة عمل المنظمات الإرهابية، يهمّنا أن نوضح أنّ هذه المنظمات تعمل بطريقة الشبكة العنقودية، أي أنّ لها رأسًا مدبّرًا ومخطّطًا واحدًا يدير رؤساء شبكات لا يعرف أحدهم الاخر، وكل رئيس شبكة (مشغل) يجند انتحاريين لتنفيذ عمليات انتحارية في مناطق واهداف يحددها الرأس المدبر.

لذلك اذا وقعت شبكة ما بايدي السلطات، فذلك لا يؤدي حكماً الى القبض على شبكة اخرى، كما ان اغلب الانتحاريين هم غير لبنانيين ولا يعرفون الجغرافيا اللبنانية، لذلك يعمد رئيس الشبكة الى تكليف عميل محلي يتولى نقل الانتحاريين فور دخولهم الاراضي اللبنانية بمسالك يكتنف فيها حواجز الجيش، ويتلافى لفت الأنظار، وعند وصولهم الى مناطق الأهداف، يتولى العميل المحلي او غيره ارشادهم الى الأهداف التي سينفذون فيها عملياتهم.

وتقضي تعليمات الانتحاريين انه في حال انكشاف امرهم او تعذر اتصالهم بالعميل المحلي، ان يعمدوا الى تنفيذ الخطة ب، أي تفجير أنفسهم في اقرب مركز عسكري او تجمع مدني او دور عبادة، وهذا ما حصل في القاع، فصباح 27 الجاري، ارتاب احد المواطنين بأحد أفراد الشبكة الإرهابية الذي عمد عند انكشاف أمره الى الانتقال فوراً الى الخطة ب، ففجر نفسه بقرب مجموعة من المواطنين، ثم عمد الثلاثة الآخرون بعد تجمع الأهالي وقوات الجيش الى تفجير أنفسهم تباعاً، فسقط خمسة شهداء وعدد من الجرحى بين مدنيين وعسكريين، ولما قامت قوى الجيش بإحكام الطوق على البلدة، كان أفراد الشبكة الاخرى قد أصبحوا ضمن بقعة الطوق، فتعذر الاتصال بالعميل، وعمدوا كرفاقهم الى تنفيذ الخطة ب، لكن يقظة وحذر قوات الجيش ونخبتها الفوج المجوقل ومعرفة الأهالي بالعناصر الدخلاء على البلدة، دفع بالانتحاريين الى تفجير أنفسهم عن بعد، وهذا ما يفسر عدم سقوط شهداء، بل بضعة جرحى.

في كلتا الحالتين، يقتضي التوقف عند يقظة قوى الجيش وأهالي البلدة، هذه اليقظة والشجاعة فوتت إمكانية وصول الإرهابيين الى اهدافهم، التي لو تمكنوا منها، لا احد يستطيع التكهن بنتائجها الكارثية، فتحية اكبار الى شهداء القاع الأبطال، هذه البلدة الابية الصامدة التي افْتَدَت بدماء ابنائها الوطن كله.

وهنا يطرح السؤال: كيف يمكن تفادي عمليات مماثلة في مناطق اخرى؟

براينا ان قوى الجيش لا يمكنها حراسة كل قرى وبلدات ومدن الوطن، حتى الحدودية منها، وإقامة حواجز ثابتة على مداخلها وتفتيش العابرين منها واليها، لان ذلك يحتاج الى اعداد هائلة من العسكريين، ويشل الحركة في كل ارجاء المناطق المستهدفة.

لذلك يقتضي تفعيل دور اجهزة المخابرات والمعلومات وإنشاء جهاز تنسيق بينها جميعاً لاستثمار وتبادل المعلومات، وإعطاء الصلاحيات للسلطات المحلية المنتخبة (البلديات) لتطويع عناصر شرطة محلية من العسكريين السابقين والذين لديهم خبرات أمنية وعسكرية، وتكليفها في نطاقها البلدي تنفيذ اعمال الحراسة والاستقصاء كون الشرطي البلدي يعرف منطقته ويستطيع التمييز بين سكانها وبين الدخلاء. لكن الاعمال الأمنية التي تكلف بها البلديات يقتضي ان تكون بإشراف مباشر من قوى الجيش منعاً لأي تعديات او اي إمكانية لتطبيق الأمن الذاتي.

ان المواطنين جميعاً مدعوون الى ان يكونوا خفراء على بيوتهم ومناطقهم وإبلاغ اقرب مركز عسكري عن اي عمل غير عادي، حتى ولو كان بنظرهم بسيطاً، فقد يكون في عمل الأجهزة الأمنية مهماً ويقود الى معلومات اهم.