عشية الذكرى الثانية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، شهد القطاع المُحاصَر خلال الساعات الماضية تصعيداً إسرائيلياً غير مسبوق بالشكل والحجم، مقارنة بكلّ حالات خرق الهدنة التي حصلت خلال الأشهر الماضية.

فبذريعة إطلاق نشطاء فلسطينيين لصاروخ من قطاع غزة وسقوطه في بلدة سديروت الحدودية، وعلى الرغم من عدم إحداثه أي إصابات أو أضرار، شنّ الجيش الإسرائيلي قصفاً عنيفاً على القطاع، لدرجة أنّ أكثر من ثلاثين غارة رُصِدت في وقتٍ قياسي، قال الإسرائيليون أنّهم استهدفوا فيها مواقع لكتائب "القسام" و"سرايا القدس" شمال قطاع غزة.

وفي حين استنفرت الفصائل الفلسيطينية سريعاً للردّ على الغارات الإسرائيلية، سُجّل استنفارٌ من نوعٍ آخر على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كان شبه إجماعٍ على مناصرة الفلسطينيين في المعركة، وعلى الترحّم على ما يسمّى بالعروبة الزائفة التي تناست ما تزعم أنّها قضيّتها المركزية.

كرهت عروبتي!

"كلما تذكرت أنّ تلك الطائرات التي تقصف غزة مزوّدة بالنفط العربي كرهت عروبتي". هذا ما كتبه أحمد رجب على مواقع التواصل، معبّراً عن موقفٍ بات مكرّراً كلما تعرّض قطاع غزة لجولةٍ جديدةٍ من القصف، إلا أنّ الجديد هذه المرّة كان أنّ حفلات الإدانة والاستنكار، التي يتقنها القادة العرب عادةً، كانت شبه غائبة، ما دفع صالح التميمي للتساؤل عمّا إذا كان المعتدي هو إسرائيل أم "صهاينة العرب"، على حدّ تعبيره، هو الذي ترحّم على زمنٍ كان فيه الوقوف مع القضية الفلسطينية أمراً فطرياً.

ولم تكن إيمان المصري بعيدةً عن هذا الجو، هي التي اعتبرت أنّه "لو كان للعرب عزّة لما قصفت إسرائيل غزة"، فيما رأت فاتن حجازي أنّ "العرب لم يتركوا غزة فقط بل دفعوا ثمن السكين للصهاينة لذبحهم"، وسأل يوسف الحسيني: "أين الاعلام العربي من قصف فلسطين؟ أين الرؤوس التي دُفنت في الطين؟ أين الشجب و التنديد؟ اهو بأس ام بؤس شديد؟"

أين التحالف الإسلامي؟

وانطلاقاً من ذلك، كانت مفارقة توقّف عندها العديد من رواد وسائل التواصل الاجتماعي، تتعلق بالبوصلة التي تغيّرت عند القيادات العربية، التي ما عادت تؤرقها القضية الفلسطينية، هي التي خسرت موقعها في صدارة قضايا العرب وشجونهم، ولم تعد حتى في سلّم أولوياتهم.

وفيما سأل علاشي سعيد عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو كما أسماه "الخليفة أردوغان"، والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، والداعية محمد العريفي ومن وصفهم ساخرًا بـ"ملائكته المجاهدين في سوريا"، كما الشيخ يوسف القرضاوي والشيخة موزة، كان جوزائي مباشراً أكثر حين سأل: "أوليس هناك تحالف عربي إسلامي؟ لماذا لا يذهب إلى نجدتهم؟"

ودخل المحلل السياسي اللبناني سالم زهران على الخط، ليعتبر أنّ وجهة صواريخ وقذائف العرب هي رؤوس أطفال اليمن، فيما يُرسَل لسوريا كلّ دعاة الجهاد ولو بالنكاح، لتضيف الزميلة زينب عواضة بأنّ "العربان مشغولون بحروبهم العبثية لتشتيت القضية"، الأمر الذي عبّر عنه أيضاً عبد الرحمن سعود البلي على طريقته بقوله: "كان لدينا جرح واحد "فلسطين" وفشلنا في علاجه ، أما اليوم فجسد أمتنا مليء بالجروح والكدمات".

"خبطني برأسه"!

ولم تغب الصراعات العربية العربية عن الناشطين "الافتراضيين"، حيث برزت بقوة "الحساسيات" الناشبة بين مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي و"الإخوان المسلمين"، ممثَّلين بحركة "حماس"، حيث ذهب بعض مناصري الأول لحدّ اتهام الحركة الفلسطينية بـ"افتعال" المشكل، فيما صبّ الفلسطينيون جام غضبهم على وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي لم يجرؤ على وصف الممارسات الإسرائيلية بأنّها "إرهابية".

هكذا، رأى عبد الحق صادق أنّ "من أسباب إثارة حركة حماس لحروب غزة انخفاض مستوى الميزانية لدى الإخوان، حتى يعيدوها لسابق عهدها من اموال التبرعات من دول التحالف"، على حدّ تعبيره. وفي المقابل، كرّت سبحة الانتقادات لموقف الوزير شكري، حيث استهجن جابر الحرمي كيف لا يكون قتل الإرهاب وهدم المنازل إرهاباً بمفهوم نظام السيسي، فيما اعتبر الداعية فاضل سليمان أنّ "وزير خارجية السيسي"، كما وصفه، برّأ إسرائيل بمنطق "خبطني براسه في يدي".

ظالمة أو مظلومة!

وبعيداً عن الصراعات والصراعات المضادة، اختار الكثير من الناشطين الدعاء لأهل غزة وسيلة للتعبير عن موقفهم المناصر للشعب الفلسطيني المحاصَر، وكانت مواقف داعية للصبر والتحمّل، ومبشّرة بالنصر الآتي لا محال، كما رأى أحمد شلبي الذي توجّه لأهل غزة بالقول: "صبراً أهلنا في غزة، فإنّ نصر الله قريب"، مضيفاً: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة".

وفيما رأت زينب حجازي أنّ "المصاب الحقيقي من نزف ضميره لا من نزف دمه"، اعتبر عائض القرني أنّ غزة سوف تبقى "حصينةً منيعةً قويةً في وجه الغزاة الصهاينة المحتلين"، ودعا أحمد الأسلمي الشعب الفلسطيني للمضيّ في خيار المقاومة بوصفه دفاعاً مشروعاً عن النفس.

وفي حين رأى يوسف ناهس اللهيبي أنّه "ينبغي أن يكون هناك دور فعّال للجامعة العربية والدول الإسلامية تجاه الصّلف الصهيوني والحرب المدمرة لفلسطين"، توجّهت رولا خليفة إلى غزة بالقول: "غزة... لا عليكِ يا حلوتي... علميهم كيف الكرامة تُستعاد".

وتبقى عبارة الزميلة كريستين حبيب "غزة تحت القصف والكلّ نيام" الأبلغ تعبيراً عن واقع الحال، واقع جعل قصفاً إسرائيلياً بالحجم الذي تعرّضت له غزة خلال ليلٍ طويلٍ أمراً هامشياً، واقع أثبت بالفعل أنّ الكلّ نيام، عن حقّ...