مرّ عامٌ على ​الحراك المدني​ الذي شهدته ساحات بيروت في آب 2015، من دون أن يتغيّر شيء في الواقع السياسي اللبناني.

على العكس من ذلك، يبدو بعد عام أنّ الحراك هو الذي كان ضحيّة نفسه، ففي حين لا يزال الحُكّام في مواقعهم، من دون أيّ تعديلٍ يُذكَر، والأزمات بمجملها على حالها من دون أيّ حلّ، غيّب الحراك نفسه عن صورة المشهد، بعدما انقسم إلى حراكات وعجز عن تنظيم نفسه وإدارة تحرّكاته، ولو بالحدّ الأدنى.

وتحت عنوان "إعادة الأمل"، اختار بعض ناشطي الحراك أن يطفئوا الشمعة الأولى على انطلاقتهم، آملين أن تدشّن سلسلة جديدة من التحركات، إلا أنّ تحرّكهم أتى خجولاً ومتواضعاً، بل كاد يمرّ مرور الكرام لولا "الضجّة الإعلامية" التي أثيرت، على خلفية قطع الزميلة نوال بري لتغطيتها المباشرة، بسبب بعض الهتافات التي أطلِقت.

وحتى على فضاء وسائل التواصل الاجتماعي، التي انطلق منها الحراك قبل عام، لم يكن التفاعل واسعاً، وإن ظهر الانقسام واضحاً من جديد، بين مؤيّدي الحراك والتوّاقين لعودته بأيّ شكل، وبين معارضيه، الذين وجدوها فرصةً للسخرية من واقعه الذي بات بنظرهم مثيراً للشفقة.

إعادة الأمل؟

وفي هذا السياق، أطلق بعض الناشطين شعار "تنذكر تَ تِنعاد" للدعوة لمواصلة ما بدأوه قبل عام، باعتبار أنّ الأمور لم تتغيّر، كما قال أيمن مروة، الذي لفت إلى أنّ الفساد لا يزال موجوداً، كما أنّ اللبنانيين لا يزالون محرومين من أدنى حقوقهم، ولا يزالون يعانون من روائح النفايات والميكروبات الناتجة عن طمرها عشوائياً بجانب الأحياء السكنية والمدارس والجامعات، ليخلص إلى أننا "كلنا يعني كلنا"، في استعادة لشعار "كلن يعني كلن" الشهير، "يجب أن ننزل إلى الشارع ونتحرك حتى نعيش بكرامة في وطننا".

وبعكس الأمل الذي حاول مروة أن يعكسه، كان ناشطون آخرون يتحسّرون على ما مضى، ومن بينهم وسيم نابلسي الذي قال "يا ضيعان الفرص"، في حين كان أسعد ذبيان، وهو الذي تحوّل لأحد "نجوم" الحراك في بداياته، يأسف لكون الخلافات فيما بين المجموعات وحب الذات و"الصبينة" بينهم من اسباب ضعف الحراك كخيار بديل للمواطنين.

وفيما لاحظت سالي أبو جودة أنّ شيئاً لم يتغيّر منذ سنة وحتى اليوم، اعتبر غسان عجروش أنّ هذا الحراك "ضُرِب من بيت أبيه"، مشيراً في هذا الإطار إلى أنّه أصبح "حراكات"، وقد فشل في استقطاب الناس بعدما أصبح الناشطون أنفسهم يبحثون عن الزعامة.

انتهى زمن الحراك!

"انتهى زمن الحراك"، "الحراك مات ويجب دفنه على وجه السرعة". هذه هي الخلاصة التي توصّل إليها كلّ من أحمد حسن وباسل صالح، الذي رفض كلّ ما يُحكى عن أنّه مستمرّ بمواجهات وأشكال أخرى، معتبراً ذلك "أملاً وهمياً لا طائل منه"، إذ "آن أوان الانتهاء من كلّ أمل".

وما قاله حسن وصالح بحسرة، قاله آخرون بسخرية، ومن بينهم محمد شمس الدين، الذي استهزأ بقول الناشط مروان معلوف، الذي وصفه بـ"شي غيفارا لبنان"، أنّ الحراك انتصر في الانتخابات البلدية، متسائلاً ما إذا كان الأخير يظنّ أنّ وزير العدل المستقيل أشرف ريفي هو من الحراك المدني.

في المقابل، لاحظ خليل فقيه أنّ جمهور نادي النجمة أحدث حالة واستطاع التأثير في الشارع اللبناني أكثر من الحراك الشعبي، لافتاً إلى أنّه "لولا قصة نوال بري لما سمعنا فيهم".

أمر تافه...

يبقى أنّ ما حصل مع الزميلة بري عبر شاشة "MTV" تفوّق على وسائل التواصل على الحراك نفسه، هي التي قطعت تغطيتها المباشرة بسبب هتافات ضدّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري أو "كبير العيلة" كما وُصِف، الأمر الذي اعتبرته مسيئاً ومستفزاً لها.

وفي حين وصفت بري على صفحتها الشخصية على مواقع التواصل ما حصل بـ"التافه"، آسفةً لكون "المجتمع المدني المتمدّن لا يعرف التمييز بين ما هو صحافي وما هو شخصي"، انقسم الناشطون على وسائل التواصل بين مؤيّدٍ ومعارضٍ لها، حيث اعتبر حسين ياسين مثلاً أنّ ما فعلته بري هو عين الصواب، واصفا الحراك بالفاشل، في حين رأى حسن درة أنّ الحراك يجب أن يغيّر نحو الأفضل، خصوصاً أنّه أثبت أنّ لا فرق بينه وبين الطبقة السياسية الحاكمة.

في المقابل، تساءل العديد من الناشطين عن "المعايير المهنية" في تصرّف بري، فيما لفت يوسف كليب إلى أنّه يعرف بعض الأشخاص الذين يؤيدون بري ويشاركون في الحراك عن قناعة، متسائلاً عن موقفهم ممّا حصل. أما فراس تلحوق فقال ساخراً أنّ المصيبة تقع إذا قرّرت مجموعة من المتظاهرين في الحراك أن تهاجم "كبير العيلة" أمام الزميلة فتون رعد، فتغضب هي الأخرى، باعتبار أنّه لن يبقى أحد عندها لتغطية الحراك.

في المحصّلة، وبعيداً عن الخلافات الهامشية هنا وهناك، يبقى الأكيد أنّ الحراك الذي انطلق قبل عام، أطفأ شمعته الأولى بخجل، وهو يدرك أنّه لم يعد قادراً حتى على إحياء "الأمل" بالتغيير، بالحدّ الأدنى...