"أيلول... طرفو بالشِتي مبلول" هو قول شائع في اللغّة العامية اللبنانيّة، لكن وبموازاة حال الجوّ الذي بدأ يشهد فعلاً هطولاً متفرّقًا للأمطار مع إقترابنا من نهاية الشهر، يبدو أنّ الجوّ السياسي سيكون بدوره مبلولاً بالمشاكل في الأيّام المُقبلة، والأسباب كثيرة.

فقبل نحو أسبوعين كانت تُوجد نيّة بإعلان تأجيل تسريح قائد الجيش العماد ​جان قهوجي​ إستباقًا لأيّ فوضى قد تحصل على الأرض بفعل إشتداد الخلافات السياسيّة الداخليّة، لكنّ "حزب الله" تدخّل بقوّة لجعل إنعقاد الجلسة السابقة لمجلس الوزراء شكليّة وفارغة من أيّ قرار، طالبًا توفير فسحة زمنيّة خالية من أيّ خطوات إستفزازيّة لحليفه "التيار الوطني الحُرّ"، فجرى تأجيل إصدار قرار التمديد لقائد الجيش، كما لم تتمّ الدعوة لعقد أيّ جلسة لمجلس الوزراء، أوّلاً بحجّة عطلة عيد الأضحى، وثانيًا بحجّة سفر رئيس الحكومة ​تمام سلام​ إلى نيويورك حيث شارك مع وفد رسمي مُرافق في مؤتمر أممي بشأن اللاجئين السوريّين. لكنّ "فُسحة الهدوء"–إذا جاز التعبير، والتي نجح "حزب الله" في تأمينها غير قابلة للتمديد أكثر، بسبب إستحقاقات داهمة، ما يعني أنّ الأمور ذاهبة نحو التصعيد، ما لم تطرأ تسويات نوعيّة في الساعات القليلة المقبلة تعيد تبريد الأجواء تمهيدًا لمزيد من المباحثات.

وبحسب التوقّعات، إنّ سلام سيُوجّه دعوة لعقد جلسة للمجلس هذا الأسبوع، خصوصًا وأنّ جهات عدّة قاطعت الجلسة الأخيرة، غير راغبة بإستمرار حال الشلل السائد، من دون أيّ أفق للحل، وهي مُصرّة على إعادة تحريك جلسات السُلطة التنفيذيّة، إن لم يكن بدءًا بهذا الأسبوع فاعتبارًا من الأسبوع المقبل على أبعد تقدير. وهذا الأمر سيجعل "التيار الوطني الحُرّ" أكثر تشدّدًا إزاء مسألة "الميثاقيّة" ورفض إدارة وحُكم البلاد في ظلّ غياب وزيريه، مضافًا إلى غياب حزب "الكتائب اللبنانية" بحكم الإستقالة، وحزب "القوات اللبنانية" بحكم عدم المُشاركة أساسًا في الحكومة الحالية.

وحتّى لو جرى تغييب جلسة الوزراء هذا الأسبوع أيضًا، فإنّ ليل الخميس–الجمعة المُقبل يُمثّل آخر مهلة لإبقاء قائد الجيش في منصبه عبر قرار إداري من جانب وزير الدفاع سمير مُقبل، في حال إستمرار الفشل في تعيين قائد جيش بديل بقرار من الحُكومة. وبالتالي، ما حاول "التيّار الوطني الحُرّ" منع حُصوله، إنطلاقًا من إعتباره قرارات التمديد للقادة الأمنيّين غير دُستوريّة، سيتمّ مُنتصف هذا الأسبوع، بدعم من القيادة العسكريّة من جهة، وبغطاء سياسي واسع من جانب مجموعة من القوى السياسيّة من فريقي "8 و14 آذار" السابقين. وتقاطع المصالح هذا سينسحب على منصب رئيس الأركان في الجيش، حيث سيتمّ اللجوء إلى إخراج مُثير للجدل أكثر من التمديد لقائد الجيش، للحفاظ على خدمة اللواء وليد سلمان الذي إنتهت كل المُهل المسموحة له للبقاء في الخدمة العسكريّة. وهذا الأمر سيجعل "التيار الوطني الحُرّ" أسير كلامه السابق، وسيُضطره إلى عدم الإعتراف بهذه القرارات، وإلى إطلاق أولى إشارات الإعتراض الميدانيّة لها.

ومن تعثّر السلطة التنفيذيّة ومُشكلة التعيينات الأمنيّة، إلى مُشكلة تعثّر السلطة التشريعيّة، حيث من المُرتقب أن تتمّ الدعوة لعقد جلسة لمجلس النوّاب اللبناني في النصف الثاني من تشرين الأوّل المقبل(1)، مع التذكير أنّ كلاً من "التيار الوطني الحُرّ" و"القوّات اللبنانيّة" كانا قد توافقا على عدم المُشاركة بها، ما لم يكن قانون الإنتخابات النيابيّة الجديد في طليعة جدول الأعمال، علمًا أنّ حزب "الكتائب اللبنانية" يرفض عقد أيّ جلسة تشريعيّة، في ظلّ الشغور الرئاسي، حيث يجب أن تكون الجلسة مخصّصة لإنتخاب رئيس جديد للجمهوريّة(2). وبالتالي إنّ إصرار رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، الذي سبق له أن أرجأ إجتماعات العقد الماضي بعد أن تبيّن له حجم الإعتراض "المسيحي" الذي كان يتحضّر، على فتح العقد المقبل للمجلس، بحجّة إنعدام إمكان التأجيل بعد اليوم، أن يُضيف سببًا إضافيًا للمُواجهة السياسيّة الحامية المُرتقبة.

وبالتالي الفوضى الميدانية المُتوقّعة في البلاد إعتبارًا من نهاية أيلول الجاري، تتجاوز ما قد تُسبّبه تظاهرات "اتحاد النقل البرّي" من إنسداد مُروري سيعيق حركة المواطنين الاربعاء 28 أيلول، وهي مُرتبطة بانسداد أفق الحلول السياسيّة، ما سيُعيق بالتأكيد كل مُحاولات الحفاظ على الحد الأدنى من عمل المؤسّسات شبه المشلولة. وانتظار حلّ يبهط بالمظلّة من دون مُقدّمات مُسبقة، كما يقوم البعض بترويجه، بشأن عمليّة إنتخاب رئيس جديد يوم الأربعاء وبشأن غيرها من المشاكل المُزمنة العالقة، هو نوع من "أحلام اليقظة" غير المبني على أيّ أسس واقعيّة. فإذا كان صحيحًا أنّ الطريق إلى الحلّ والتسوية يجب أن يبدأ بانتخاب رئيس، فإنّ الأصحّ أنّ تحقيق هذه التسوية لا بُدّ أن يمرّ بتوافق على سلسلة من المواضيع في طليعتها قانون الإنتخابات النيابية المقبلة، ومن بينها طبيعة الحكومة المقبلة والخطوط العريضة لسياستها وهويّة رئيسها وسُلطاته ومدّة حكمه، إلخ... وما لم يتمّ تحقيق أيّ خرق في هذه المسائل، فإنّ الحديث عن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية في جلسة الأربعاء المقبل أو سواها، من قبل بعض السياسيّين والإعلاميّين، لا يصلح سوى للتنكيت غير المُسلّ!

(1) بحسب المادة 32 من الدستور إنّ المجلس يجتمع كل سنة في عقدين، يبدأ الأول في يوم الثلاثاء الذي يلي يوم 15 آذار ويستمر بالانعقاد حتى نهاية أيار، بينما يبدأ العقد الثاني في يوم الثلاثاء الذي يلي يوم 15 تشرين الأول ويستمر بالانعقاد حتى نهاية العام.

(2) بحسب المادتين 74 و75 من الدستور، فإنّه في حال خلوّ سدّة الرئاسة لأيّ سببٍ كان، على مجلس النواب الإجتماع فورًا لانتخاب رئيس، ولا يستطيع المجلس القيام بأيّ عمل شريعي أو سواه قبل إتمام عمليّة إنتخاب رئيس جديد.