على الرغم من الإنتصارات العديدة التي تتحقق على عناصر "داعش" في سوريا والعراق، إلا أن هذا لا يلغي القلق في معظم البلدان الغربية، لا سيما الأوروبية منها، من إحتمال وقوع عمليات إنتقامية من قبل مؤيدي التنظيم الإرهابي، وهو ما يظهر من خلال دعوة معظمها إلى ضرورة عدم التأخر في إطلاق عملية عسكرية ضد عاصمة التنظيم الثانية، أي مدينة الرقة، في ظل المعلومات عن تسرب القيادات البارزة من مدينة الموصل نحو الأراضي السورية، بالإضافة إلى ثالثة في ليبيا.

بالنسبة إلى بعض المسؤولين الأوروبيين، الإنتصار على "داعش" عسكرياً لا يعني إنتهاء الخطر الإرهابي، فهم يدركون جيداً أن هناك المئات من أنصاره في الكثير من مدن القارة العجوز، وهؤلاء سيسعون إلى الإنتقام من مشاركة بعض بلدانها في الحرب عليه ضمن التحالف الدولي، في حين أن الإجراءات الأمنية المشددة لم تمنع "داعش" في السابق من تحقيق أهدافه، بل هو نجح في مناسبات عدة في تنفيذ جرائم من العيار الثقيل.

ما تقدم لا ينفصل عن إستراتيجية التنظيم الإرهابي، فهو لم يتخل يوماً عن تنفيذ خيار العمليات الخارجية، لا بل هو يعمد منذ فترة ليست بقصيرة على التشجيع عليه، ويسعى إلى تقديم مختلف الإرشادات إلى من قد يقتنع به، من تحديد الأهداف إلى اسلوب العمل وغيرها من الأمور الأخرى، فمن وجهة نظره هذه الجرائم قادرة على تحقيق نجاح باهر من دون أي مخاطر تذكر، فهي لا تحتاج إلى الكثير من التخطيط والإعداد والتنسيق والتمويل، نظراً إلى أن من هو داخل البلدان المستهدفة قادر على تنفيذها بالأدوات التي تكون متوفرة بين يديه، ما قد يدخلها في دوامة من العنف والقلق الذي يشغلها عن إستهدافه في معاقله، من دون أن يكون بحاجة إلى إتصال مع القيادات المركزية.

في المقابل، لا تستطيع حكومات تلك الدول القيام بالمزيد من الإجراءات الأمنية، فهي أقصى ما نجحت به حتى اليوم العمل على تخفيف حدة تدفق اللاجئين من منطقة الشرق الأوسط نحو أراضيها، لكن الأخير لم يحصل دون دفع أثمان باهظة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والإتفاق من الممكن أن يعود إلى الإنهيار من جديد، إلا أن الخطر الأساسي يبقى في تحصين من من الممكن أن يذهب إلى تنفيذ مخططات "داعش"، من بين مواطنيها أو المقيمين منذ سنوات فيها، بعد أن تتم السيطرة عليه من قبل حملات الترويج التي تحصل على مواقع التواصل الإجتماعي بشكل أساسي.

من وجهة نظر أغلب الدول الأوروبية، المشاركة في عملية قتال التنظيم في معاقله الأساسية قادرة على حماية أمنها القومي، حيث أنها لا يمكن أن تسمح بتوسيع رقعة سيطرتها على المزيد من المساحات والموارد، بالإضافة إلى رغبتها في أن تلعب دوراً بارزاً في العملية السياسية المقبلة داخل بلدان الشرق الأوسط، نظراً إلى أن الحفاظ على مصالحها يتطلب أن تبقى دائماً في المشهد العام، إلا أن التنظيم يعمم في المقابل أن هذه فرصة للإنتقام، من خلال الإلتحام مع القوى التي يصنفها معادية، ويروج إلى أن خسارة بعض المدن والبلدات أو إغتيال قيادات معينة لا يعني إنتهاء المعركة، بل على العكس من ذلك هذا محفز على الإستمرار بها حتى النهاية، نظراً إلى أن تلك الدول هي المسؤول الأول والأخير عن كل المآسي التي حصلت في السنوات السابقة، أما الأنظمة الإقليمية فهي مجرد أدوات ستسقط لدى هزيمة من يقدم الدعم والحماية لها.

إنطلاقاً من هذه الوقائع، تسعى تلك الدول إلى التوجه إلى البيئات التي من الممكن أن تكون حاضنة لـ"داعش" وأمثاله، عبر الحديث عن سعيها إلى حمايتها من الجرائم الإرهابية، بالإضافة إلى إعطائها الحق في تقرير مصيرها بعد الإنتهاء من عملية تحريرها، لكنها تعجز حتى اليوم عن مواجهة الأفكار التي يحملها التنظيم، أو على الأقل لم تدخل إلى هذا الميدان بشكل فعلي، مع العلم أنه الركن الأساسي في عمليات الإستقطاب والتجنيد، وما حصل قبل خسارته معركة "دابق" ذات الأهمية العقائدية بالنسبة إليه دليل على ذلك، فهو عمد سريعاً إلى التمييز بين معركة صغرى وأخرى كبرى، لإقناع عناصره بأن المواجهة لم تنته بعد.

في المحصلة، خسارة "داعش" في الموصل أو الرقة أو في أي مكان آخر، لا تعني إنتهاء خطره، هيث ستكون مجد مرحلة سيعمد فيها إلى تغيير الاسلوب الذي يتبعه فقط، كما حصل قبل سنوات عند نجاح العمليات العسكرية ضده في العراق، حيث عاد إلى الظهور من جديد في سوريا، بسبب عدم إنتفاء أسباب وجوده من جهة، وإستمرار الرهان على دور المنظمات الإرهابية في التغيير السياسي من جهة ثانية.