هي أيامٌ قبل أن تعود الحياة لتدبّ في قصر بعبدا... قناعةٌ راسخةٌ في نفوس العونيين الذين لا تخيفهم جرعات التفاؤل الزائدة هذه الأيام رغم يقينهم بأن عمادهم في لبنان قد ينام رئيسًا ليستفيق على خلاف ذلك. لن ينتصر سيناريو مماثلٌ هذه المرّة بعدما باتت اللعبة الإحصائية في جيبة الرابية، وبعدما تبيّن أن ترشيح العماد يحظى بتأييد ممثلي أكبر الشرائح الطائفية في البلاد.

معبّدة ونظيفة تبدو طريق قصر بعبدا هذه الفترة. لا تعتريها حفرٌ رغم كلّ ما حُكِي عن محاولاتٍ جدّية لعرقلة عملية الانتخاب. سلّم الجميع أوراقهم بعدما فضحوا مضامينها، وبقي الرهان على فارق أصواتٍ طفيف من شأنه أن ينهي الحكاية من الدورة الأولى أو أن يرجئها الى دورةٍ ثانية حاسمة في اليوم نفسه.

الرابية ترفض الإرجاء

أراحت كلمة السيد حسن نصرالله مساء أمس الأول قلوب العونيين، وقطعت الطريق على كلّ الشكوك التي كانت توسوس في عقولهم وتنخر في نفوسهم. ربما أخطأ بعضهم في ظنّه تجاه الحزب وربّما أصاب، بيد أن المحصّلة تكمن في إعلان السيد نصرالله تصويت كامل كتلته لصالح شريك وثيقة مار مخايل، مقابل التفاهم مع الرئيس نبيه برّي وتفهّمه. سيخيّب الأخير على ما يبدو جميع المراهنين على ذوبانه في قرار حزب الله في جلسة 31 الجاري على قاعدة أن “بري لا يجرؤ على الخروج من عباءة الحزب”. بالتنسيق التام، سيتوجّه رجل عين التينة الى جلسةٍ تحتاج الى حضوره كي لا يطير نصابها، ولكنه سيتصالح مع قراره “الشخصي” بعدم التصويت لعون، ومثله سيفعل النائب سليمان فرنجية. وتسرح في بعض الكواليس السياسية معلوماتٌ قد لا تتعرّى من طابعها “الفرضي” تشير الى أن حزب الله كان يميل الى إرجاء الجلسة لمزيد من التشاور وفي مسعًى جديد منه الى إقناع بري ودفع فرنجية الى سحب ترشيحه (الذي شدد ليل أمس على عدم انسحابه)، بيد أن عون أبى التأجيل وسرّع وتيرة جولاته على الجميع كي يصل الى جلسة 31 الجاري غير مقصّر في حقّ أحد وغير متجاهل أحدًا.

تحضيراتٌ مكثّفة

بالنسبة الى الرابية، تبدو الصورة واضحة أكثر من أيّ وقتٍ مضى. التحضيرات جديّة هذه المرة ومكثّفة على ما علمت “البلد” لا سيّما على المستوى الإعلامي الذي حاول باسيل “حصره” في الآونة الأخيرة خوفًا من الخذلان، بيد أنه فلت منه مع اطّراد مجاهرة الأفرقاء بالتصويت لعون وإنهاء عملية الاحتساب البسيطة التي تجعل من الجنرال رئيسًا في جلسة أواخر الشهر إذا عُقِدت بأريحية تامّة. وتشمل هذه التحضيرات التلفزيون البرتقالي الذي يضع فريق عمله اللمسات الاخيرة على إعلاناتٍ تمهيدية عن تاريخ العماد عون، فيما يبدو فريق قسم الأخبار على أهبّة الاستعداد لإنتاج مادّة تليق بالحدث بعد سنتين ونصف السنة من الشغور وبعد حلم عمرُه أكثر من سبعة وعشرين عامًا. ولهذا الغرض يحاول الإعلام البرتقالي استنباط فُكَر يتقدّمها طرح جمع فنانين وسياسيين وفاعليات صفّ أوّل للتحدّث عن العماد عون عشية الجلسة وغداتها. هذا وبلغت جرعة التفاؤل في الرابية حدّ رسم مرحلة تقبّل التهاني ما بعد الانتخاب، إذ علمت “البلد” أن “الجنرال يميل صراحة الى استبدال التهاني الرسمية في تشرين الثاني بتهانٍ شعبية حيث يكون استقبالٌ شعبي كما أيام بيت الشعب الغابرة”.

أكثرية “مستقبلية” مطلقة

تبدو ثقة الرابية بحصد غالبية ساحقةٍ من أصوات أبناء تيار المستقبل عالية، خصوصًا في غمرة اطّراد الحديث في أوساط بيت الوسط عن أكثرية مُطلقة ستصبّ في خانة انتخاب عون رئيسًا لسببين: أولًا لمنح مبادرة الحريري الدفع الأكبر والزخم الأقوى، وثانيًا لتوفير المظلة الأوسع من التأييد له في مرحلة التكليف لتأليف الحكومة الوطنية الجامعة المنسجمة التي بدأت تنبت لها مطباتٌ منذ اليوم وعلى رأسها “حجر عثرة” عدم مشاركة بري فيها على سبيل المثال لا الحصر، وموقف حزب الله المبدئي من هذه المقاطعة وبالتالي وضعية المكوّن الشيعي فيها. وإذا كان الحديث عن مثل هذه الفرضيات الحكومية مبكرًا، فإن الوقت يداهم النائب وليد جنبلاط الذي يجتمع مجلس قيادة حزبه اليوم ليحدد موقفه النهائي المائل صراحةً الى السير في ركب التسوية وتوفير النصاب والتصويت لصالح عون، مع عدم تجاهل الاعتذار من مرشّح الكتلة النائب هنري حلو. سيناريو متوقّع مهّد له باسيل في ارتقائه بأهمية المكوّن الدرزي في أي تسويةٍ ولا سيما في هذه التسوية “الحريرية”، وهو ما لاقى صدًى إيجابيًا كبيرًا في الأوساط الدرزية وفق معلوماتٍ لـ”البلد”، وإن كان قرارُ جنبلاط غير مرتبطٍ بديهيًا بموقفٍ من هنا وآخر من هناك.

رمزية الرقم 13

في انتظار عودة الرئيسين بري والحريري الى لبنان عشية الجلسة الحاسمة التي سيتوفر نصابُها بوعدٍ من بري، وسواء انتُخِب عون في الدورة الأولى أم الثانية، أقلّ من أسبوع يفصل سيّد الرابية عن توضيب أغراضه والانتقال الى قصر بعبدا بعد نفض غبار الشغور عنه. أقل من أسبوع يعجّ باتصالاتٍ قد تُثمِر انخفاضًا ملحوظًا في عدد المعترضين أقلّه ضمن الكتل التي وافق رئيسها على دعم عون وفي مقدّمها كتلة المستقبل. هي الجلسة السادسة والأربعون التي ستجعل من العماد عون بالتراضي الرئيس الثالث عشر للبنان، وهو الرقم (13) الذي لا يمكن للذاكرة البرتقالية أن تمحوه يومًا من تاريخ تشرينها... كما ويومياتها.