في الوقت الذي لا يزال المسلح التركي الذي نفذ الهجوم على ملهى "رينا" في اسطنبول متواريا عن الأنظار، في موازاة مباشرة السلطات التركية عمليّة بحث في جميع أنحاء البلاد للقبض عليه، سلّط القاتل الضوء على المأزق الذي يتحكم بنظام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، رغم إحباطه العملية الانقلابية الاخيرة للجيش، مع ما رافق ذلك من إجراءات امنية لتثبيت الاستقرار في بلاده.

وترى مصادر دبلوماسية وسياسيّة في العاصمة الاميركيّة واشنطن ان هذا الاعتداء هو الثاني خلال خمسة عشر يوما، يظهر التمزّق الذي تعيشه تركيا في ظلّ عمليّات ارهابيّة وحالة من عدم الاستقرار السياسي.

وتعتقد هذه المصادر ان المواطن التركي لم يعد يعرف ما يحصل في بلاده، ولكنه يرى ان ما يحدث لم يعد مقبولا، فالإرهاب ينتشر في كل مكان في تركيا، والحكومة لم تتمكن من السيطرة على الاوضاع، وان من واجبها المبادرة لأنّ ما وصلت اليه الحياة فيها لم يعد أمرا يمكن التغاضي عنه ومجاراته.

وترى المصادر، ان تركيا تمر منذ سنوات عدة في تخبّط سياسي وأمني، منذ تورطها في الحرب السورية، فهي جعلت حدودها مشرّعة للمقاتلين الأجانب وسمحت لهم بالعبور الى بلاد الشام، في سياق سياسة دعم "داعش" التي ينفذ رجالها عمليات ارهابية داخلها، اضافة الى تجدد القتال ضد الأكراد في مطلع العام 2015، وصولا الى محاولة الانقلاب الاخيرة وما تلاه من زعزعة للامن.

ولفتت المصادر الى ان تداعيات الاعتداء على الملهى الليلي "رينا" صبيحة يوم الأحد الماضي في اسطنبول والذي كان من ضحاياه لبنانيون واردنيون وسعوديون وتونسيون، لا بدّ وان ينعكس سلبا على الديمقراطية في تركيا، حيث سيستعمله نظام أردوغان كذريعة للانقضاض على خصومه السياسيين، ومن الممكن أيضا ان يؤدّي ذلك الى مزيد من التدهور في الاقتصاد التركي الذي بدأ يتضرّر مع انحسار السياحة والتراجع الكبير في هذا القطاع، في وقت بدأت فيه وسائل الاعلام تنبّه ممّن يرغب بالتوجّه الى تركيا من احتمال تعرّضه لمخاطر بسبب اختلال الأمن.

ولفتت المصادر، الى ان حكومة اردوغان لم تتخّذ إجراءات واضحة لتجعل تركيا اكثر أمانا، وان ملاحقة المنشقّين الشرسة ساهمت في تأجيج عدم الاستقرار.

ولفتت المصادر، الى انه منذ حوالي ستّة أعوام وقبل بدء الربيع العربي والثورات المسلحة في عدد من دول المنطقة، صنّفت تركيا نفسها بانها خارج الصراعات على حدودها، أمّا اليوم -وهي عضو في حلف الناتو- فهي تعيش مرحلة من الظلام وعدم الاستقرار في منطقة تمزّقها الاعمال الارهابية، حيث يلتقي الاٍرهاب ويتداخل مع أزمة النازحين وتصاعد الأحادية في الحكم عالميًّا.

ويخلص مصدر رسمي رفيع في الادارة الاميركيّة الى القول بأن الاعتداء الاخير الّذي هو من صنع "داعش" التي تتصدى له تركيا اليوم، هو احد الاخطار التي تهدد انقرة حاليا.

وإذ بدت المصادر مشكّكة بعمليات حفظ الأمن في الداخل التركي بسبب التفلّت الحاصل والعجز عن معالجته، رأت ان اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف والاعتداء على الملهى الليلي فجر يوم الأحد الماضي، يطرحان اسئلة حول قدرة الاجهزة الأمنية التركية على جعل تركيا كبلد آمن ومستقر.