ما إن انتهت عملية التسليم والتسلم بين الوزراء السابقين والجدد، حتى بدأت تتكشف لوزير الصحة الجديد النتائج السلبية للسياسة الشعبوية التي كانت تدار على أساسها الوزارة الأكثر حاجة بالنسبة الى المواطن اللبناني، طيلة السنوات الأخيرة.

فبعد تسلم وزير الصحّة ​غسان حاصباني​ مهامه، كانت أزمة أدوية الأمراض المزمنة هي أول من إستقبلته. المرضى الذين إعتادوا أن يتسلموا أدويتهم بوتيرة أسبوعية أو شهرية من مركز الكرنتينا التابع ل​وزارة الصحة​، خسروا هذه الخدمة وسلّموا أمرهم لمشيئة ربّهم، لأن مستودعات المركز فرغت، ولأن مستوردي الأدوية توقفوا عن تسليم الوزارة حاجتها بعدما وصل حجم دينها لشركاتهم الى عتبة الـ84 مليار ليرة.

هذا الدين لم يتراكم من باب الصدفة تقول المصادر المتابعة بل نتيجة الفوضى التي كانت سابقاً، وفي هذا السياق تكشف المعلومات أن عدداً كبيراً من أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية، دخل الى السوق اللبناني من دون أن يمرّ عبر لجان الكشف الطبيّة في وزارة الصحة. أدوية سعرها مرتفع جداً، عمد الأطباء الى وصفها للمرضى على إعتبار أن الوزارة تغطّيها، علماً أن أدوية مماثلة لها وتعطي النتيجة عينها على صعيد العلاج، كانت متوافرة بالسوق وبأسعار أقل من تلك الجديدة، من دون أن تلجأ وزارة الصحة الى ضبط الوضع، ومن دون أن تفرض على الأطباء وصف الأدوية الأقل سعراً للتوفير على ميزانية الوزارة، الأمر الذي جعل وزارة الصحة غير قادرة على دفع فاتورة الدين لمستوردي الأدوية، بعد تخطّيها الثمانين ملياراً.

هذا الملف الإنساني بإمتياز، دفع بالوزير حاصباني الى عقد إجتماع سريع مع مستوردي الأدوية، للتوصل الى حلٍّ يسمح للمرضى بالحصول مجدداً على أدويتهم، خصوصاً أن هناك بين المرضى حالات طارئة ولا يمكنها أبداً التوقف عن تناول الدواء في وقته المحدد، كما أنها غير قادرة على شرائه على نفقتها الخاصة بسعر يصل الى تسعة ملايين ليرة شهرياً. إجتماع تمكّن حاصباني في نهايته أن يحصل على قرار من مستوردي الأدوية بإعادة تسليم الوزارة ما تحتاجه، مقابل أن يعمل مع مجلس الوزراء على تسديد الدين القائم لهم في أسرع وقت ممكن، وهكذا حصل. ففي الجلسة الأولى لمجلس الوزراء، تمكن وزير الصحة وبالتنسيق مع رئيس الجمهورية، من إقرار بند يتعلق بنقل إعتماد من إحتياطي الموازنة بقيمة 20 مليار ليرة لمصلحة وزارة الصحة لتسديد نفقات الأدوية التي صرفت من خارج موازنة العام 2016. بالتزامن عادت عملية تسليم الأدوية الى طبيعتها في مركز الكرنتينا بعدما التزمت الشركات بوعدها للوزير، كل ذلك، ترافق مع سلسلة إجراءات يعمل الوزير الجديد على دراستها لتعميمها فيما بعد، من شأنها عدم تكرار ما حصل في عهد الحكومة السابقة لا سيّما لناحية الديون المتراكمة والصرف العشوائي، والأهم من كل ذلك لتفادي الوقوع ثانية بأزمة فقدان أدوية الأمراض المزمنة من مستودعات الوزارة، مهما كانت الحجة أو السبب.