لقاء اليوم يُعقد في فندق ريكسوس بالعاصمة الكازاخية «أستانة»، بحضور وفد رسمي يمثل الدولة السورية، وممثلين عن عدد من الفصائل الإرهابية المتطرفة، إضافة إلى روسيا وإيران وتركيا. وكذلك المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، أما مشاركة الولايات المتحدة الأميركية بصفة مراقب فيه رهن المحادثات التي تتمّ بين الوفدين الروسي والإيراني. علماً أنّ الغرض الأساس من لقاء «أستانة» هو التوصل الى وقف لإطلاق النار، كخطوة أولى على طريق الذهاب الى حوار سياسي، ربطاً بتعهّد المجموعات المتطرفة التخلي عن وسائل العنف والإرهاب.

الرئيس الدكتور بشار الأسد كان واضحاً حين أعلن قبل أيام، أنّ لقاء أستانة «سيكون على شكل محادثات بين الحكومة السورية والمجموعات الإرهابية من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار». وهذا الوضوح في توصيف الفصائل المسلحة، وفي ما يرمي اليه اللقاء، يرتكز على وضوح صورة المشهد العام التي تشكّلت بعد نجاح الجيش السوري وحلفائه بتحرير مدينة حلب.

هنا يصبح جائزاً الجزم بأنّ طريق «أستانة» مرّت في حلب. فعندما أحكم الجيش السوري وحلفاؤه الخناق على المجموعات الإرهابية في شرق حلب، أدركت تركيا استحالة القيام بأيّ دور يحول دون هلاك الإرهابيين، فسارعت إلى فتح قنوات الاتصال مع روسيا وإيران، والتوصل الى اتفاق ـ وافقت عليه الحكومة السورية ـ يقضي بإخراج العناصر الإرهابية من شرق حلب، وفي هذا السياق ولدت فكرة عقد لقاء «أستانة».

الأطراف الدولية والإقليمية الأساسية التي ترعى لقاء «أستانة»، تعرف جيداً طبيعة الأوضاع والوقائع التي مهّدت لهذا اللقاء، وتعلم هذه الأطراف أنّ أيّ مشاركة لأطراف دولية أخرى، ستفسد اللقاء، لأنها ليست على دراية بما هو مطلوب منه.

بين موسكو التي أعلنت ضرورة مشاركة واشنطن، وبين طهران التي أعلنت رفض هذه المشاركة، ليس هناك أيّ اختلاف على الأهداف والأولويات. فالجانبان الروسي والإيراني متفقان على ما هو مطلوب من لقاء «أستانة»، وهما ليسا في وارد القيام بأيّ أمر لا تحبّذه القيادة السورية.

حرص روسيا على مشاركة الجانب الأميركي، هو لإيصال رسالة واضحة للإدارة الأميركية الجديدة، بأنها ليست مستثناة من الجهود التي تبذل لإنتاج الحلول، في حين أنّ إيران تبدي خشية مشروعة من أن تؤدّي المشاركة الأميركية إلى إيصال رسالة خاطئة للمجموعات الإرهابية، ينتج عنها إفشال لقاء «أستانة» وإفساده. في حين أنّ تركيا كانت تعمل على خط تأمين مشاركة قطر والسعودية. وهي المحاولة التي سقطت بعامل الوقت الذي استنفده الروس والإيرانيون حول المشاركة الأميركية.

وفي هذا السياق، ليس خافياً بأنّ الروس يشاركون الإيرانيين خشيتهم، حيث أعلن رئيس الأركان الروسية السابق يوري بالويفسكي أنّ «الولايات المتحدة تعمل على إقناع الجميع بأنّ مباحثات «أستانة» ستخلص إلى قيام 3 مناطق نفوذ في سورية تتقاسمها روسيا وتركيا وإيران». وهذا ما يخالف تمسّك روسيا بالحفاظ على سورية بلداً موحداً.

وعليه، فإنّ مشاركة الولايات المتحدة الأميركية في اللقاء أو عدمها، تتقرّر بما لا يؤثر سلباً على مجريات لقاء أستانة.

هنا لا بدّ من الإشارة، إلى أنّ الاستنتاجات والتحليلات حول «اشتباك» روسي ـ إيراني، هي استنتاجات خاطئة. فمنذ بدء الأزمة السورية، تمّ الترويج لتباينات في مواقف الطرفين حول سورية، إلا أنّ الوقائع كانت تثبت على الدوام أنّ هناك توافقاً على كلّ الأمور المتعلقة بدعم الدولة السورية في مواجهة المجموعات الإرهابية.

اللافت أنه في ظلّ الحديث عن تباينات في المواقف بين موسكو وطهران، تشهد طهران في الثلاثين من الحالي حدثاً هاماً يؤشر إلى عمق العلاقات بين الدولتين، حيث يُقام مؤتمر ومعرض وثائق 515 سنة من العلاقات بين إيران وروسيا، بمشاركة كبار المسؤولين والشخصيات السياسية والثقافية والعلمية في البلدين. ويرعى المعرض مركز التعليم والأبحاث الدولية في وزارة الخارجية الإيرانية ومركز الأرشيف الفدرالي الروسي ومؤسسة الوثائق والمكتبة الوطنية الإيرانية والسفارة الإيرانية في موسكو ومركز الدراسات الشرقية الروسي.

ما هو مؤكد أنّ الطريق إلى أستانة الكازاخية رُسم في عملية تحرير مدينة حلب من المجموعات الإرهابية، التي قادها الجيش السوري بدعم ومؤازرة من روسيا وإيران. وما هو مؤكد أيضاً أنّ تركيا لا تملك قدرة التأثير على مجرى مباحاثات أستانة، ولو أنّ لها دوراً وازناً كما يزعم المسؤولون الأتراك، لكانت تفتقت عبقرية العثمانيين الجدد، وأعادوا إحياء رميم «الأستانة» التركية، على غرار «إحياء» رجب طيب أردوغان أطماعه برميم «ولاية الموصل».

في الوقت الأميركي الضائع بين إدارتين، لم تنجح تركيا في إثبات دورها، لا في الميدان ولا في السياسة. ففي الميدان مُنيت تركيا بهزيمة قاسية في مدينة حلب، في حين لم تستطع أن تجمّل صورتها بتحقيق انتصار على «داعش» في مدينة الباب، وفشلت في ثني الإدارة الأميركية عن دعم ما يُسمّى «قوات سورية الديمقراطية»، كما أنها لم تتمكن من استثمار وقف إطلاق النار في سورية لحماية المجموعات الإرهابية المتصلة بداعش والنصرة. وها هو الجيش السوري يواصل تقدّمه في مناطق عدة وفي منطقة وادي بردى، رغم كلّ المحاولات التركية التي استهدفت ربط توقف العمليات العسكرية ضدّ المجموعات الإرهابية بلقاء أستانة.

على أية حال، فإنّ اجتماعات أستانة بين روسيا وإيران وتركيا التي سبقت مؤتمر اليوم، بالتأكيد ستنتج عنها مجموعة من العناوين المتصلة مباشرة بالهدف، وهو وقف إطلاق النار كما أعلن الرئيس الأسد. ويعزز هذا الاعتقاد، ما أعلنه رئيس الوفد السوري د. بشار الجعفري، وهو في طريقه إلى اجتماع أستانة، حيث قال: «إنّ هناك برنامج عمل وأجندة للاجتماع غايتها الرئيسة مجموعة من النقاط وهي تثبيت خطوط وقف الأعمال القتالية وفصل المجموعات الإرهابية مثل «داعش» و»جبهة النصرة» وغيرهما عن المجموعات المسلحة التي قبلت اتفاق وقف الأعمال القتالية أو قبلت الذهاب إلى الاجتماع والتوصل الى قواسم مشتركة مع المشاركين بخصوص محاربة الإرهاب. وسيكون هذا امتحاناً لمصداقية وجدية المشاركين، سواء الذين سيكونون على الطاولة أو مشغلّيهم».

وإذ أكد أنّ «تركيا دولة تنتهك السيادة السورية وتساعد المجموعات الإرهابية وتعرقل الحلّ السلمي، وبالنسبة لنا لا حوار سورياً ـ تركياً على المستوى الحكومي. لفت إلى أنّ الاجتماع هو «حوار سوري ـ سوري ولا نسمح أن يكون هناك أيّ تدخل خارجي أو شروط مسبقة، لكن واقع الحال يقول إنّ الكثير من المجموعات الإرهابية المسلحة خلفها دول مشغلة من ضمنها تركيا والسعودية وقطر والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ورغم واقعيتنا الشديدة وحرصنا على أن يكون الحوار سورياً لا يغيب عن ذهننا أنّ الكثير من مشغلي هذه الأدوات أو المجموعات الإرهابية هم دول أجنبية».

إذاً… على أرضية رسوخ المشهد العام المتشكّل على وقع انتصار حلب، واضح أنّ الدولة السورية حضرت إلى أستانة، للقاء مجموعات صنّفتها إرهابية، وهي تريد من هذه المجموعات التخلي عن وسائل العنف والإرهاب، وعلى ضوء ذلك يتقرّر الحوار السياسي في جنيف أو غير جنيف. فهل يحدث اجتماع أستانة اليوم خرقاً وترفع المجموعات الإرهابية الراية البيضاء؟