المشهد فيه الكثير من التحدي للإرهابيين:

مساء أول من أمس الأحد، وفي المكان الذي كان الإرهابي سيُفجِّر نفسه بالحزام الناسف، جلس إلى طاولةٍ واحدة كلٌّ من الرئيس سعد الحريري ووزير الدفاع يعقوب الصرّاف ووزير الداخلية نهاد المشنوق.

في ذلك المكان، لو قُدِّر للإرهابي أن ينجح في تفجير نفسه لكان الجالسون يجولون على المستشفيات لتفقد الجرحى أو على المنازل لتقديم التعازي. لكن سهر الأجهزة الأمنية، والتوافق السياسي الذي أحدثه الإنسجام الحكومي، ساهم في تحاشي المآتم والمستشفيات، وحوَّل ليل شارع الحمرا مجدداً إلى ليل للفرح والأنوار.

في تلك الجلسة الثلاثية في الكوستا حيث مسرح الجريمة المفترض، صافح الرئيس الحريري المواطنين الذين تحدّوا الخوف وجلسوا في المقهى، وخاطبهم قائلاً:

أتيت إلى هنا لكي أقول للناس أنَّ الخوف الذي يحاولون وضعه في قلوبكم مرفوض، وسنظل نعيش حياتنا الطبيعية وسنستمر بحب الحياة ونرتاد المقاهي والمطاعم كالمعتاد، ويجب الإستمرار بذلك. ويجب التعاون دائماً مع القوى الأمنية والتبليغ عن أيِّ عمل مشبوه وهم يهتمون بالأمور كافة.

أقول للبنانيين، لا تخافوا إلا من الله الذي يحمينا والبلد بألف خير، وأعداؤنا هم الذين سيخسرون ولسنا نحن. نحن لبنان، بلد الأرز وإن شاء الله ستبقى الأرزة مرفوعة والشعب فخور بإذن الله.

الرئيس سعد الحريري كان يعرف ماذا يقول، فهو لم يكن يوزِّع معنويات جزافاً على الناس، بل كان يُحدِّثهم إنطلاقاً من إيمانه بالبلد ومن ثقته بالأجهزة ومن رهانه على أنَّ حكومته ستقوم بواجبها على أكمل وجه، وكذلك رهانه على أنَّ العهد يخطو خطوات ثابتة في اتجاه تعزيز الإستقرار.

وهنا بالإمكان فتح مزدوجين للسؤال:

في أيِّ بلدٍ في العالم تُضبَط عملية انتحارية في مقهى ما، ليعود هذا المقهى ويفتح أبوابه بعد أقل من أربعٍ وعشرين ساعة على الحادثة؟

لا هذه السرعة حصلت في قلب باريس، ولا هي حصلت في نيس ولا في شرم الشيخ ولا في أسطنبول ولا في بروكسيل. ففي أيِّ مكان من هذه الأمكنة الآنفة الذِكر، كانت المقرات تُقفل لأسابيع إلى حين إنجاز التحقيقات، لكن في لبنان تحدث التحديات:

مقهى يكون بعيداً عن تفجيرٍ انتحاري لثوانٍ معدودة، ينجو ثم يفتح أبوابه في اليوم التالي حيث يغصُّ بالرواد ويفاجئهم رئيس الحكومة ووزيرا الدفاع والداخلية، كأكبر دليلٍ حسيّ على أنَّ هذا الشعب لا يموت ولا ترعبه التفجيرات.

لكن في نهاية المطاف، لا بدَّ من التذكير أنَّ التوافق السياسي هو الحاضنة والسند للإستقرار الأمني، ولهذا فإن الحكومة مدعوة إلى تحصين الأمن والإستقرار السياسي اللذين لا يكونان إلا باستكمال بناء السلطة التنفيذية وإعداد ما يلزم لإجراء الإنتخابات النيابية.