أكد الكاتب والمحلل السياسي المحامي ​جوزيف أبو فاضل​ أنّ ما تغيّر من جنيف 2011 وجنيف 2017 هو عودة حلب ومناطق كثيرة أخرى إلى حضن الدولة السورية، مشيراً إلى أنّ ما اثر أكثر على هذا الموضوع هو تدهور المعارضات وانخراطها في قتال داخلي فيما بينها، بحيث أصبح هناك منصّات عديدة في مختلف العواصم.

وفي حديث إلى تلفزيون "روسيا اليوم" (RT) ضمن برنامج "استديو بيروت" أداره الإعلامي عمر الصلح، لفت أبو فاضل إلى أنّ مؤتمر الاستانة الذي أنجزه الروس والأتراك والإيرانيون مع الدولة السورية والفصائل المسلحة كان له تأثير كبير، إذ استطاع الروس والأتراك والإيرانيون تثبيت وقف إطلاق النار في سوريا كهدنة إلى حدّ كبير.

وأكد أبو فاضل أنّ مؤتمر الأستانة هو الذي مهّد إلى مؤتمر جنيف 4 وهذا اللقاء الذي اضطر المبعوث الدولي ستيفاني دي مستورا لاحيائه بسرعة ليعيد السعودية والخليج إلى المشهد السوري بعد انكفائهما الكامل عنه، ودخول تركيا مكانهم.

مؤتمر جنيف 4 في خطر

ورداً على سؤال، أشار أبو فاضل إلى أنّ المسلحين كلّ منهم تابع لفصيل معيّن، وأغلبهم تابعون للدولة التركية، وبالتالي يجب النظر إلى مدى مصلحة الرئيس رجب طيب أردوغان ببقاء هؤلاء المسلحين، وكيف سيتحرّكون أكان في الشمال السوري أو في الوسط أو في الجنوب السوري.

وشدّد أبو فاضل على أنّ المسلحين يتبع كلّ منهم لفريق معيّن في سوريا، وكلّ فريق له مصالحه الخاصة وأهدافه وأهواؤه أيضاً، لافتاً إلى أنّ الحلول السياسية يذهب السياسيون إليها للمشاركة لا أكثر ولا أقل.

وحذر أبو فاضل من أنّ مؤتمر جنيف 4 يصبح في خطر اليوم بوجود هذه المعارضات الكثيرة، معرباً عن اعتقاده بأنّه لن يقدّم ولن يؤخّر، ملاحظاً أنّ موقف دي مستورا سلبي جداً من النظام ومن الدولة، وهذا سينعكس على المؤتمر.

دي ميستورا سوف يرحل

ورداً على سؤال، أشار أبو فاضل إلى أنّ دي مستورا ينفذ مصالح الأميركيين، ومصلحته هي بأن يقيم مناطق عازلة، وهو يؤيّد هذا المطلب لكن لا يعلنه، لافتاً إلى أنّه يتحدّث عن انتخابات وعن تفاهمات وعن دستور جديد وعن ميثاق جديد في سوريا وكأن الحرب انتهت في سوريا، مشدّداً على أنّه لا يوجد حلول في سوريا لكي يخترع دي مستورا هذه الأمور.

ورأى أبو فاضل أنّ دي مستورا يعرف أنّ الروس يسعون لتنحيته عن الملف السوري، وهو أصبح خارج اللعبة، وهو لن يستطيع أن يستمرّ بهذا التطرف الذي يسير به، وهو ليس الأول ولا الأخير الذي يأتي ويذهب، مؤكداً أنّ دي مستورا سوف يرحل كما رحل غيره من قبل، وأكبر دليل على ذلك كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ضرورة بقاء سوريا موحّدة، وهو يُفهِم بذلك الأمم المتحدة أنه غير راض على دي مستورا، ويدعم الدولة السورية والفريق الذي يفاوض باسمها في جنيف.

الأمور تبدّلت اليوم

ورداً على سؤال آخر، اعتبر أبو فاضل أنّ الأمور تبدّلت اليوم، مشيراً إلى أنّ الرئيس السوري بشار الأسد بات اليوم كلّ العالم يسلّمون به، لافتاً إلى أنّ المرشحة الرئاسية الفرنسية مارين لوبن قالت من بيروت أنّها ستدعم الرئيس الأسد في حال وصولها إلى الرئاسة، وموقف المرشح فرنسوا فيون ليس مغايراً، كما أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال أنّه مع الأسد في مواجهة داعش، من دون أن ننسى أنّ الأخير مدعوم من قبل روسيا وإيران وسواهما، وحتى الأتراك بذاتهم لم يعودوا يتحدّثون برحيل الرئيس الأسد.

وشدّد أبو فاضل على أنّ عملية تنحّي الأسد أصبحت من الماضي، مشيراً إلى أنّ الشائعات التي أطلقها البعض حول صحة الرئيس السوري لا تفيد، موضحاً أنّنا أمام مشهد جديد في سوريا قوامه بقاء الأسد، وهذا ممنوع المسّ به، وأكد أن سوريا باقية كما هي إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، مرجّحاً في الوقت عينه أن تكون الحرب طويلة، لافتاً إلى أنّ الحرب مستمرة رغم استرداد حلب بعكس ما كان يقال قبل معركة حلب.

رحيل الأسد لم يعد مطروحاً

وأكد أبو فاضل أنّ موضوع رحيل الأسد لم يعد مطروحاً عالمياً، معتبراً أنّ من سيرفع مثل هذا المطلب في مؤتمر جنيف 4 يهدف إلى تطيير المؤتمر قبل أن يبدأ، وأشار إلى أنّ الدولة السورية تدافع عن نفسها، موضحاً أنّ المعارضين لديهم خياران لا ثالث لهما إما تفجير جنيف أو السير مع الدولة، لافتاً إلى أنه بالنظام الأممي والمنظومة العالمية مجلس الأمن هو الوحيد الذي يضع عقوبات، والمعارضة السورية تعرف ذلك.

وجزم أبو فاضل أنّ وضع الدولة السورية ممتاز جداً، متحدّثاً عن انتصار في هذا السياق، لافتاً إلى أنّ الدعم الروسي والإيراني مهم جداً، ورأى أنّ المفاوض القوي في جنيف هو وفد النظام، ولكن لا يوجد حلول الآن، لأنّ دي مستورا ذهب بخلفية وهم جاءوا بخلفية أخرى، وقال: "عندما تدخل السعودية إلى المفاوضات مجدداً، فهذا يعني أن هناك حسابات جديدة".

العقدة في المناطق الآمنة

ورداً على سؤال، أشار أبو فاضل إلى أنّ العقدة اليوم تكمن في المناطق الآمنة، موضحاً أنّ تركيا تريد منطقة آمنة، إلا أنّه نبّه إلى أنّ المنطقة الآمنة تعني بداية تقسيم سوريا، وهي لا تكفي إذا اعترفت بها تركيا فقط، مشيراً إلى أنّ المنطقة الآمنة لا يمكن أن تحصل من دون اعتراف أممي وإشراف أممي.

ورأى أبو فاضل أنّ الأمور لم تستوِ في سوريا لدرجة يمكن الحديث عن مثل هذا السيناريو، وأشار إلى أنّ المنطقة الآمنة أولوية عند الأتراك، وهي تعيد دغدغة أحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مجدداً، ونبّه إلى أنّ التصعيد المباشر بين تركيا وإيران ينعكس على الأرض في سوريا، لا أكثر ولا أقلّ.

لا حلول قبل لقاء ترامب وبوتين

ورداً على سؤال، أكد أبو فاضل أنّ لا حلول قبل اللقاء بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، مشيراً إلى أنّ موقف إيران في المقابل واضح برفض التقسيم في سوريا، ولكنّه تساءل عن موقف إسرائيل، وما هي مصلحة إسرائيل ممّا هو حاصل على الأرض اليوم، مشيراً إلى أنّ الهمّ أن يخلقوا شريطاً حدودياً جديداً بين الجولان وبين سوريا، كما كان أيام لحد في لبنان.

وتحدّث أبو فاضل عن دور رئيسي لتركيا وإسرائيلي عبر هذا الأرض، ولفت إلى أنّ المناطق الآمنة التي يحكى عنها سيكون نفوذها خارج حدود سوريا، وهي ستكون بداية تقسيم سوريا، وأشار إلى أنّ ذلك يأتي لمصلحة إسرائيل ولمصلحة تركيا.

ورداً على سؤال، شدّد أبو فاضل على أنّ إسرائيل لاعب مباشر في هذه الحرب، وكلّ ما يحصل هو لخدمة إسرائيل، خصوصاً أنّ المستهدَف من ذلك هو دور سوريا وموقع سوريا.

لبنان يتحمل أكثر من غيره

وأكد أبو فاضل أنّ لبنان يتحمّل أكثر من غيره بكثير في ما يتعلق بالنازحين، مشيراً إلى أنّ هناك أعداداً هائلة اليوم من اللاجئين في ظلّ غياب بنية تحتية قادرة على استيعابهم، وفي ضوء افتقاد اللبنانيين للكهرباء والمياه، والدولة عاجزة عن تأمين متطلبات الحياة.

وشدّد أبو فاضل على أنّ جبهة على الحدود باتت مشتعلة دائمًا، وحذّر من أنّ النازحين السوريين أكثريتهم بيئة حاضنة ضدّ الدولة السورية، وضدّ الدولة اللبنانية، واعتبر أنّ المعالجة يجب أن تكون إنسانية، وقال: "يجب على الدولة السورية معالجة هذا الأمر، فموضوع النازحين حساس جداً وموضوع إنساني"، وأشار إلى أنّ الدولة السورية تدعوهم للعودة ولكنهم لا يجرؤون، فهم بأغلبيتهم بيئة حاضنة ضد الدولة السورية، ولا يعرفون لماذا.

حزب الله يقاتل عن كل العرب

ورداً على سؤال، أكد أبو فاضل أنّ الحكومة السورية تتحمّل مسؤولية في هذا المجال، ولكنّه أشار إلى أنّ سوريا دولة كبيرة، وهي تستطيع أن تتحمل نصف مليون لبناني ومليونين وثلاثة ملايين عراقي، وفيها خيرات ولا تحتاج لأحد.

وأسف أبو فاضل لما وصفه بالعهر السياسي في إشارة إلى الأمم المتحدة التي تترك النازحين في الخيم وفي ظروف كارثية، مشيراً إلى أنّه لا يوجد سعي جدّي لحلّ هذه الأزمة، مشدّداً على وجوب التنسيق مع الدولة السورية لإنهاء هذه القضية لما فيه صالح النازحين أولاً.

وشدّد أبو فاضل على أن حزب الله يقاتل عن كل اللبنانيين في سوريا وعن كل العرب، فهو يحارب الإرهابيين ويحارب إسرائيل في سوريا.

أردوغان يرقص كاللعبة

من جهة ثانية، اعتبر أبو فاضل أنّه كلما توترت العلاقة بين إيران وتركيا أكثر كلما توجّهت إيران نحو الخليج أكثر، ولفت إلى زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الكويت ومسقط، اللذين سيكونان الوسيط بين إيران والسعودية، وأشار إلى أنّ هناك وفداً إيرانياً كبيراً اليوم في المملكة العربية السعودية لبحث قضية الحجّ، وحتى السعوديون لا يقبلون أن يكون الإيراني خارج الحج، وهذا الموضوع ربما يفتح باب المفاوضات بين الجانبين.

ورداً على سؤال، أشار أبو فاضل إلى أنّ هذا التقارب الإيراني الخليجي يمكن أن يساهم في التخفيف من الدور التركي، ولكن لا أحد يستطيع استبعاد الدور التركي في الشمال، لافتاً إلى أنّ أردوغان هو كاللعبة عليه أن يرقص دائماً حتى لا يهتزّ، وعليه أن يبقى كذلك ليحافظ على الواقع، وهو لذلك يسعى لافتعال المشاكل، وهو لن يترك الشمال السوري انطلاقاً من ذلك، وكلّ همّه أمام ترامب وغير ترامب وبوتين وغير بوتين أن يكون لديه مشكل دائم، حتى يبقى واقفاً هو ونظامه على رجليه.

ترامب يحدث توترا في المنطقة

وفي سياق منفصل، توقع أبو فاضل تغييراً في السياسة الأميركية تجاه ملفات المنطقة تحديداً، وأعرب عن خشيته من ذلك لأنّ ترامب ليس لديه ضوابط وهو صريح في ما يقوله، وهو رجل أعمال، مشيراً إلى أنّه بدأ بحلفائه، وتوقع أن يؤدي ذلك للمزيد من التوتر في المنطقة، ولكنّه استبعد احتمال الذهاب إلى حرب، وقال أنّه سيعمل على ابتزاز إيران لأنها دولة مهمة.

ولفت أبو فاضل إلى أن ترامب يقوم بتجارة لصالح الداخل الأميركي، ولا يكترث لردود الأفعال، وهذا لن ينجح فيه إلا بالاتفاق مع بوتين، وقال أنه سيكون هناك توتر دائم في المنطقة بوجود ترامب لأن ترامب يريد هذا التوتر لكي يبتزّ الخليج أكثر، ورأى أننا أمام رجل قد يكون لجمه صعباً، وإذا كان هناك من لجم سيكون خفيفاً.