منذ إقرار مرسومي ​النفط​ في مجلس الوزراء، يسلك لبنان مساراً موصلاً إلى مصاف الدول النفطية ولو متأخراً. المرسوم وما قد يتبعه لاحقاً من قوانين ومراسيم واتفاقيات وعروض يخضع لتجاذبات من المتوقع أن تؤخر استخراج النفط، وأن يؤثر سلباً على عائدات الدولة. ثغرات كثيرة تعتري التعاطي الرسمي في ملف النفط، تحدث عنها الخبراء بالتفصيل، من عدم تأسيس شركة نفط وطنية إلى نموذج تقاسم الأرباح لا الإنتاج، وغيرها من الثغرات التي تناسب الجشع اللبناني ومقدرته على التفريط بثروة وطنيّة من دون أن يرف له جفن واحد، وذلك سهل عبر فساد واضح كعين الشمس، إلا أنه مقونن ومفصَّل بدقة على قياس أهل النظام وأركانه.

النفط اللبناني الموعود يثير شهية كثر. ويحجز لنفسه موقعاً في السوق النفطية وبالتالي يتحوَّل فرصة واعدة على الأجندة الإقليمية التي يتعدد اللاعبون فيها، ولجميعهم إمكانيات عسكرية ومصالح تفوق حجم لبنان وقوته. لبنان الحلقة الأضعف بين حيتان النفط والغاز التي تستسهل من دون شك التآمر على الثروة اللبنانية، وتسعى لنهبها عبر شركاء محليين، أو أن تعطل استخراجها عبر تهديد الاستقرار في البحر حيث السيادة للسلاح الإسرائيلي.

قبل توقيع المراسيم النفطية وخلال السنوات الثلاث الماضية مارست ​الولايات المتحدة​ ضغوطاً متواصلة على لبنان عبر موفدين من وزارات الدفاع والخارجية والطاقة إلى بيروت، أو عبر موفدين من الكونغرس، للدفع باتجاه ترسيم حدود البلوكات البحرية التي من المحتمل أن تتداخل مخزوناتها الغازية مع مخزونات الحقول ال​اسرائيل​ية، وبالتالي استدراج لبنان لاتفاقية نفطية مسبقة مع إسرائيل بشروط لمصلحتها نظراً لتقدمها في مجالي التنقيب والاستخراج والنقل.

وبطبيعة الحال لم يقع لبنان في الفخ الإسرائيلي، ولا في فخ الاتفاقيات الدولية التي كانت ستفرض عليه قبل أن يتحدد بدقة حجم الثروة النفطية وإمكانات تصريفها. وبعدما أقرت الحكومة المراسيم النفطية كان من الضروري ألا تبدو الثروة الموعودة كاليتيم على مائدة اللئيم، لا بل من الواجب رسم الخطوط الحمر لحمايتها وتأكيد سيادة لبنان عليها. من هنا بالإمكان قراءة الكلمة الأخيرة لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وما جاء في مقابلته التلفزيونية التي تلت الكلمة المذكورة. نصرالله فاجأ الجميع بإطلاق تهديدات خارج السياق العسكري العادي. هدّد حاويات الأمونيا في حيفا ومفاعل ديمونة النووي في النقب. ربما كان التهديد للدلالة على المدى الطويل لصواريخ الحزب. ورداً على الاستقواء الإسرائيلي بالدعم الواسع الذي تعهد به الرئيس الأميركي دونالد ترامب. بالنسبة للإسرائيلي باتت الفرصة سانحة لتسوية الحساب مع حزب الله خصوصاً في ظل تعبئته المتواصلة منذ نحو ست سنوات على الجبهة السورية.

التذكير بالردع ضروري في هذه الأجواء المشحونة. وكان لافتاً إلى كلام نصرالله، موقف الرئيس ميشال عون الذي اكد أن التهديدات الإسرائيلية للبنان، لن تمرَّ من دون رد مناسب. لكن اللافت أكثر في كلام أمين عام حزب الله إشارته إلى إمكانيات عسكرية عند الحزب قادرة على استهداف ما هو أبعد من حاويات الامونيا، وأشار صراحة إلى السفن التي تنقل هذه المادة الخطيرة والتي أمرت وزارة البيئة في تل أبيب بنقلها من حيفا إلى منطقة غير مأهولة بالسكن.

نصرالله يقول مباشرة أن صواريخ الحزب قادرة على حماية الحدود البحرية. وفي الوقت نفسه نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلاً عن خبراء عسكريين أن مسؤولين غربيين أبلغوا تل أبيب خلال مؤتمر ميونيخ للأمن (الأسبوع الماضي) أن حزب الله تسلم شحنات من صواريخ أرض-بحر من طراز "ياخونت" الروسي الصنع والبالغ مداه ثلاثمئة كيلومتر ويعتبر الأحدث والأخطر في مجاله، والعصي على الدفاعات البحرية.

الصاروخ هذا من الأسلحة التي تعتبرها تل أبيب "كاسرة للتوازن" وشنّت طائراتها الحربية أكثر من غارة على أهداف داخل سوريا بذريعة استهداف شحنات أسلحة كهذه كانت في طريقها إلى لبنان. الآن يبدو أن ما كانت تخشاه إسرائيل قد تحقق، وبات للنفط اللبناني "ربٌّ يحميه". وإذا ما تأكدت قوة حزب الله البحرية بحسب ما تقول التقارير الإسرائيلية، فإن عنصر ردع فعَّال بات بيد المقاومة، يطال سواحل اسرائيل التي يمر عبر مرافئها تسعون بالمئة من البضائع على ما ذكر موقع "والاه" السرائيلي.