في الوقت الذي تستحوذ مسألة المُوازنة العامة على كامل إهتمام السلطة السياسيّة والتغطية الإعلاميّة، تكوّنت مجموعة من المُعطيات والوقائع الضاغطة في ما خصّ ملفّ الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، هذه أبرزها:

أوّلاً: صار بحكم الأكيد أنّ لا إنتخابات في أيّار المُقبل، لأنّ المهلة القانونية لدعوة الهيئات الناخبة والتي تعدّ 90 يومًا قبل عمليّة الإقتراع، لم تحمل توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبالتالي لم تسلك طريقها القانوني الطبيعي. والتوصّل إلى قانون إنتخابات جديد خلال الأسبوعين المُقبلين الفاصلين عن مهلة 20 آذار الجاري، وإقراره في مجلس النوّاب، وتعريف الناخبين به، وتسويق المُرشّحين على أساسه، يُشكّل مهمّة شبه مُستحيلة.

ثانيًا: عند تجاوز مهلة 20 آذار، يبقى الباب مفتوحًا للتوصّل إلى قانون إنتخابي جديد قبل إنتهاء ولاية المجلس الحالي المُمدّد له، وذلك حتى تاريخ 20 حزيران المقبل، أي على مدى ثلاثة أشهر كاملة. وفي حال تكلّلت الجُهود الحاليّة بالتوصّل إلى قانون حديث، يتمّ تحديد موعد جديد للإنتخابات النيابيّة، بالتزامن مع إقرار ما إصطلح على تسميته "التمديد التقني" على مدى الفترة الفاصلة بين إنتهاء ولاية المجلس الحالي وموعد إجراء الإنتخابات المُقبلة. أمّا في حال عدم تحقّق هذا الهدف، نُصبح أمام خيار من إثنين: إمّا قيام مجلس النوّاب بالتمديد لنفسه لمرّة ثالثة بغضّ النظر عن الفترة الزمنيّة التي سيتمّ التوافق عليها لذلك، وإمّا إنتهاء ولاية المجلس من دون تمديد، ما يعني إنتفاء قدرة البرلمان على التشريع، الأمر الذي يَستوجب اللجوء إلى خيار "المُؤتمر الوطني" أو "المُؤتمر التأسيسي" الذي سيجمع مختلف القوى السياسية الأساسيّة في البلاد، للتوافق على بنود دستوريّة جديدة، يكون قانون ​الإنتخابات النيابية​ الجديد من بينها، وعندها يحظى الأمر بشرعيّة التوافق الوطني العام، وكأنّ القوى السياسية تكتب بنودًا جديدة ستُضاف إلى الدستور.

ثالثًا: يُوجد إختلاف وحتى تناقض في الآراء بالنسبة إلى مسألة الشغور على مستوى المجلس النيابي، حيث يعتبره جزء من الحُقوقيّين أنّه بسبب غياب أي تشريع واضح في هذا الصدد، من الضروري اللجوء إلى البنود الخاصة بالشغور في منصب رئاسة الجمهوريّة، والتي تحثّ على تحوّل المجلس تلقائيًا إلى هيئة ناخبة دون البحث في أيّ أمر آخر. وبالتالي، برأي هؤلاء إنّ إنتهاء ولاية المجلس تستوجب-ووفق المنطق نفسه، إعتبار مرسوم دعوة الهيئة الناخبة، نافذًا بحكم الضرورة، حتى لو لم يحمل توقيع رئيس الجمهوريّة، وكذلك تحديد موعد جديد للإنتخابات وفق القانون الذي جرت على أساسه آخر دورة إقتراع، أي "قانون الستّين" المُعدّل في الدوحة، وذلك في نهاية فترة الثلاثة أشهر بحسب ما تنصّ عليه المهل الدستوريّة، مع التمديد حُكمًا لسُلطات المجلس النيابي بحكم الأمر الواقع ومنعًا للفراغ. من هنا، جاءت التحاليل الإعلامية بشأن توقّع إجراء الإنتخابات النيابية في أيلول المقبل، ووفقًا للقانون الحالي. في المُقابل، يُوجد رأي مُناقض يعتبر أنّ عدم توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة يجعله غير نافذ، ويعتبر أيضًا أنّ إنتهاء ولاية المجلس من دون إنتخاب مجلس آخر ولا التوافق على التمديد، يُؤدّي حُكمًا إلى شلّ عمل البرلمان بشكل كامل.

رابعًا: الأفق غير مُقفل تمامًا، حيت تُوجد حاليًا مُحاولة جديدة يقوم بها وزير الخارجية ​جبران باسيل​، لجهة العمل على تحضير قانون جديد للإنتخابات، يُعالج الثغرات التي ظهرت في القوانين السابقة التي جرى طرحها في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، ويأخذ في الإعتبار ملاحظات وإعتراضات أبرز القوى السياسيّة عليها. وبالتالي، إنّ القانون الجديد الذي يقع في مكان وسطي بين صيغتي "التصويت النسبي" و"التصويت الأكثري"، سيكون قانونًا "مُختلطًا" لكن بأفكار جديدة، ومع تطبيق أكبر قدر مُمكن من العدالة على صعيدي "تقسيم الدوائر" و"نسب المُقترعين"، إلخ...

خامسًا: الإنقسام يُطاول أسلوب مُعالجة الأزمة في حال إستمرار التعثّر في التوصّل إلى "قانون تسوية"، حيث تُطالب بعض القوى السياسيّة بالتوجّه إلى مجلس النواب للتصويت على إقتراحات القوانين الموجودة، والقانون الذي يحظى بالأغلبيّة يُعتمد، بينما ترفض قوى أخرى هذا المنطق وتعتبر أنّ "القانون الإنتخابي" يستوجب توافقًا وطنيًا واسعًا مُسبقًا حوله.

في الخلاصة، لا شيء محسوم حتى اليوم في الملفّ الإنتخابي، حيث أنّ الأمور ضبابيّة إلى حدّ كبير، لكنّ الأكيد أن لا انتخابات في موعدها، وانّ التأجيل بات محسومًا. فهل سيتمّ التوصّل إلى قانون جديد-ولوّ بعد حين، أم أنّ لبنان سيدخل في أزمة سياسيّة جديدة، قد لا تنتهي من دون اللجوء إلى "مؤتمر تأسيسي"؟.