لا يحمل الموقف الذي أدلى به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نهاية شهر كانون الثاني الماضي والذي لوّح من خلاله علنا بالفراغ النيابي لمواجهة اي نية لاجراء الانتخابات النيابية وفق قانون الستين او للتمديد للمجلس الحالي للمرة الثالثة على التوالي، أي لبس كما أنّه لا يضم في طياته امكانية لتفسيره بغيره ما هو. منذ ذلك الوقت تحاول القوى السياسية التعامل مع هذا الموقف على أنّه يندرج باطار الضغوط التي تمارسها الرئاسة الأولى للاتفاق الالزامي على قانون جديد تجري على اساسه الانتخابات. ولا شك أن هذه الضغوط نجحت الى حد بعيد بالدفع مؤخرا باتجاه تخطي المطب الأول في المسار الانتخابي، المتمثل بقانون "الستين"، من خلال اقرار كل الفرقاء بأنّه أصبح من الماضي وبالتحديد بعد تخطي المهل الدستورية. وان كان الرئيس عون تعاطى مع "الفراغ النيابي كخيار أفضل من الستين والتمديد"، الا ان حركة "امل" وحزب الله ومنذ ذلك الوقت رسما خطوطا حمراء عريضة رفضا للتلويح بالفراغ حتى ولو لاستخدامه عنصرا ضاغطا باعتبار أنّهما يعتبران نفسيهما المعنيان اولا به من منطلق أن رئاسة مجلس النواب هي حكما من حصتهما.

"الفراغ في المجلس النيابي خط أحمر بالنسبة لحزب الله الذي بدأ في الساعات الماضية بقيادة مسعى جديد، للتوصل لاتفاق على صيغة قانون تجري على اساسه الانتخابات وان كان لا يزال يتمسك بالنسبية الكاملة ويتعاطى مع الطروحات التي تعتمد النظام المختلط من دون اي حماسة تذكر"، هذا ما تشدد عليه مصادر مطلعة على أجواء الحزب، لافتة الى انّه بات مقتنعا أكثر من أي وقت مضى ان التمسك بموقفه سيقود حتميا فريق تيار "المستقبل" لملاقاته عند "النسبية الكاملة" لتتم المفاوضات بعدها على مستوى الدوائر. وتضيف المصادر: "من كان يعارض النسبية بالمطلق، وخرج مؤخرا ليقر بأنّها أصبحت أمرا واقعا، لن يتأخر بالوصول الى قناعة جديدة أن لا حل الا بالنسبية الكاملة". اذا يراهن حزب الله، والأرجح رئيس الجمهورية على ان فريق "المستقبل" قد يضطر لتقديم تنازل جديد، بعد تنازله بموضوع رئاسة الجمهورية يسمح بانجاز الانتخابات وفق "النسبية الكاملة" التي لطالما ردد نواب "المستقبل" وبعض القياديين منه بأنّها غير ممكنة في ظل استمرار ما يسمونه "وهج سلاح حزب الله".

الا ان أحد نواب "المستقبل" يرفض حاليا اعطاء مواقف نهائية في هذا المجال، وان كان شخصيا يعتبر تقديم تنازل بهذا الحجم بمثابة الاقدام على "الانتحار سياسيا". هو لم يعد يستبعد شيئا بعد وصول رئيس الحكومة سعد الحريري بوقت سابق لقناعة بوجوب السير بترشيح العماد ميشال عون للرئاسة بعد سنوات من الخلاف السياسي الذي بدا في كثير من الأحيان مستعصيا. ويضيف النائب المستقبلي: "ما شهدناه في الأشهر الماضية على صعيد التحالفات والخيارات السياسية يجعلنا غير قادرين على الجزم بشيء"!، منبها من ان المراهنة على سير "المستقبل" بـ"النسبية الكاملة" قد يدخلنا حقيقة في "فراغ نيابي" لوّح به الرئيس عون الذي يعتبر ان ما أصاب رئاسة الجمهورية التي أصيبت بفراغ استمر عامين ونصف كما الرئاسة الثانية بعد تحول الكثير من الحكومات الى تصريف الأعمال، وارد ان يصيب الرئاسة الثالثة. هذا ما تحذر منه المصادر المقربة من حزب الله لافتة الى ان "الدستور أوجد مخارج للتعامل مع الأزمة في سدة رئاسة الجمهورية حين سلّم صلاحيات الرئيس للحكومة مجتمعة، كما حين أوكل الحكومة تصريف الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة"، وأشارت المصادر الى ان "الدستور لم يلحظ ولم يتوقع حتى أن يضرب الفراغ السلطة التشريعية، ما يجعلنا ندخل بمتاهات غير مسبوقة تهدد الكيان اللبناني ككل".

بالمحصلة، سواء اختلفت الخطوط الحمراء لدى حزب الله والرئيس عون او تلاقت في كثير من الأحيان، الا انهما يتناغمان منذ فترة الى حدود أبعد من التحالف وتصل الى اعتمادهما سياسة توزيع الأدوار لتحقيق مبتغاهما. هذا ما حصل في الرئاسة وقد يحصل في ​قانون الانتخاب​!