لم تجد ​اسرائيل​ أفضل من هذه المرحلة للتوجه نحو وضع يدها على ثروة لبنان الطبيعية على الحدود الجنوبية في البحر. العرب مشغولون بصراعاتهم الدموية المفتوحة. سياسة الرئيس الاميركي دونالد ترامب تتركز على كيفية محاصرة ايران ومنع تمدد نفوذها في الشرق الاوسط. في اعتقاد الإسرائيليين ان اولوية المقاومة اللبنانية الآن هي مجابهة الارهاب لا اسرائيل نتيجة الدور الذي يقوم به حزب الله ضد المجموعات التكفيرية. بعد نجاح التسوية في سوريا، ولو آجلاً، سيفرّغ حزب الله كل قواته وقدراته للجبهة الجنوبية الحدودية مع اسرائيل. تستغل تل ابيب حالياً تلك الانشغالات والظروف وتحضّر لخطوة خطرة للغاية، معتقدة ان لبنان عاجز عن منعها.

أتى القرار الاسرائيلي بعرض مسوّدة قانون على لجنة حكومية قبل تحويله لبته في الكنيست. الهدف هو المصادقة على ترسيم الحدود البحرية-الإقتصادية تمهيداً لاستثمار الغاز والنفط في منطقة حدودية متنازع عليها مع لبنان.

لم تكترث تل ابيب الى وثائق لبنانية مقدّمة الى الامم المتحدة تؤكد حق اللبنانيين بمنطقة تتجاوز مساحتها 800 كلم. هي عبارة عن مثلث غني جداً بالنفط والغاز بحسب دراسات دولية استنتجت ان تلك المساحة هي الأغنى طبيعياً على طول المتوسط. سبق وان أجهض الاسرائيليون محاولة واشنطن الوصول الى تسوية بين لبنان وإسرائيل حول هذا الملف.

في الساعات الماضية أثار الاعلام الاسرائيلي معلومات حول الخطة الجديدة التي ستحط في الكنيست. تلك الأنباء وصلت الى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، فنبّه من اعتداء جديد على سيادة لبنان هو الاخطر.

يستعيد بري تحذيراته التى كررها في السنوات الماضية من احتلال يخطط لتوسيع دائرة القضم.

يصف بري الخطوة الاسرائيلية بشرارة حرب تشعلها تل ابيب، "انها مزارع شبعا بحرية من شأنها ان تفتح الوضع على احتمالات كثيرة وخطيرة".

بالنسبة الى رئيس المجلس ان المخطط الاسرائيلي هو عدوان يستوجب الدفاع عن سيادة وثروات بلدنا. ويؤكد: "لن نسكت عن أي خرق".

يطالب بري الحكومة اللبنانية بإتخاذ جميع الإجراءات السياسية والدبلوماسية للتصدي لهذا العدوان قبل حصوله ومنع اسرائيل من المس بالخط الاحمر البحري.

لم تخف تل ابيب يوماً نيتها العدوانية والتخطيط لسرقة النفط والغاز على الحدود مع لبنان، وهي حاولت استغلال بند أممي ينص على ان السباق للاستثمار في الحقول الحدودية يعطي الافضلية لمن يبدأ أولاً. ​الولايات المتحدة​ الاميركية كانت تدخلت في عهد الادارة الماضية لحل النزاع بين لبنان وإسرائيل، وحاولت الوصول الى نتيجة، لكن تل ابيب أصرّت على نواياها مقابل تشبث لبنان بحقوقه الطبيعية. هذا يؤكد ان اللبنانيين عازمون على المواجهة حتى النهاية، انطلاقاً من وجوب الدفاع عن سيادتهم مهما كلّف الامر. اسرائيل تعلم ذلك، رغم محاولتها طمأنة الشركات الدولية لاستثمار تلك الحقول لاحقا بعد اتخاذ الكنيست قراره المرتقب بالموافقة على اقتراح اللجنة الوزارية لضم المساحة الحدودية واللبنانية.

أسئلة بالجملة يتم طرحها: لماذا اقدمت تل ابيب على الخطوة الآن؟ هل لاشعال حرب مع لبنان؟، لانها تعرف ان اللبنانيين والمقاومة سيواجهون تنفيذ القرار الاسرائيلي بكل الوسائل المتاحة. سبق وان هدد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اسرائيل بمعادلة واضحة: الغاز مقابل الغاز والنفط مقابل النفط. يعني انه لا يمكن للاسرائيليين حماية منصاتهم في عرض البحر. هذا ما يستبعد ايضاً مشاركة الشركات الدولية بالتنقيب خوفاً من اي هجوم صاروخي تتعرض له المنصات.

ماذا عن الأميركيين؟ هل مستعدون لطرح وساطة جديدة؟ أم ان تل ابيب تستند الى مؤازرة اميركية في عهد دونالد ترامب؟ او ربما تريد فرض امر واقع على الادارة الاميركية؟ كل الاحتمالات واردة.

الأسابيع المقبلة ستُحدد أُطر المواجهة. فإذا أقدمت تل ابيب على خطواتها، فإنها تشعل حرباً، وبالتالي لا سماح بالتنقيب ولا استثمار تلك الثروة.

القرار اللبناني واضح بالمحافظة على الحقوق أياً تكن الظروف والحسابات والتداعيات. وما لم يسمح به اللبنانيون في البر، لن يسمحوا به في البحر. خصوصاً ان المردود المالي للنفط والغاز هو حاجة لبنانية، ووعد مُنتظر. فلا سبيل لإنهاء العجز وتسديد الديون الا بإستخراج تلك الثروات الطبيعية.