أهل السياسة عندنا مشكلتهم مشكلة، والأصح أن مشكلة اللبنانيين معهم هي المشكلة الجدية لأنها منطلقة من الثقة المفقودة. فالناس جرّبت المجرب منذ عقود طويلة، ولكن عبثاً، وقد لا نقول جديداً إذا قلنا إنّ النظرة الشعبية الى السياسيين ليست في مصلحة هؤلاء، وعن إستحقاق ووقائع وحقاق وممارسات متمادية.

وبين هؤلاء قلة نادرة، معروفة بالإسم و...الممارسة، من الذين يمحضهم المواطن ثقته بما يتجاوز القبلية والمناطقية والطائفية والمذهبية. يتصدر هذه القلة النادرة الوزير السابق ​زياد بارود​ الذي يعبّر عن آراء الناس ويحمل همومهم بعيداً عن الديماغوجية السخيفة، والمصالح الآنية الضيقة التي تقدّمت (... دائماً) على المصلحة الوطنية العليا.

فالرجل يتحدّث بمنطق، وبعلم، وبوعي وإدراك، فيأتي كلامه رديفاً للنزاهة والصدقية خصوصاً المعرفة.

أمس بالذات وقفت على تصريحه الى موقع «النشرة» المهم، وأزعم أن كل كلمة فيه كانت لافتة حتى إذا شئت أن أقتبس بعضها وقعت في حيرة لكثرة ما فيها من نقط يمكن (بل يجدر) التوقف عندها. (نص التصريح في غير مكان من هذا «الشرق»). فهل اقتبس قوله «إن الأزمات المتلاحقة منذ العام 1990 لم تعالج في مرة من المرات بطريقة جذرية»؟ أو قوله: «لو كان اللبناني مقتنعاً بأن الضرائب التي يتم فرضها عليه تذهب في الإتجاه الصحيح ولن يكون مصيرها مزاريب الهدر، لكان دفعها من دون أي إحتجاج(...)؟ أو «إن توجه الرئيس سعد الحريري الى المتظاهرين أمام السراي الحكومي كان خطوة جيدة... ولكن الموضوع يتخطى رئيس الحكومة ويشمل المنظومة ككل أي الحكومة ومجلس النواب»؟ أو: «وجوب إقرار السلسلة بأسرع وقت ممكن لأنها أصلاً حق مؤجل (...) ولو تم اللجوء إليها (أبواب للتمويل غير الضرائب) قبل عامين أو ثلاثة لكنا اليوم استطعنا إقرار السلسلة من مردودها»؟ أو تحديده لتلك الأبواب بـ «وقف الهدر، واصلاح قطاع الكهرباء، والحد من التهرّب الضريبي...»؟ أو تناوله نقطة بالغة الخطورة والأهمية في تقديرنا: «إذا كنا حقيقة نتطلع لأن يكون لبنان قاعدة ومنطلقاً لإعادة إعمار سوريا، فكيف نرفع الضرائب على شركات الأموال لتصبح 17% في وقت أنها في قبرص مثلاً 12%»؟ أو : كأن هناك من يسعى لإحداث شرخ كبير بين المصارف والمواطنين»؟ أو «إن موقف الرئيس عون عملياً طيّر إمكانية إجراء الإنتخابات وفق قانون الستين ولم يطير الإنتخابات»؟

فعلاً، كان متعذراً حصر الإقتباسات بهذا القدر لأن كل كلمة كانت تقع حفراً وتنزيلاً في كلام الوزير زياد بارود الذي كتبنا ذات «شروق وغروب» داعين الى «تأميم» الرجل وزيراً دائماً... إذ من غير المعقول أو المقبول، كي لا نقول من المعيب، ألاّ يكون هذا الرجل المستنير في السلطتين التشريعية والتنفيذية.