لم يعد خبر "الجريمة الوحشية" يصدم المواطن اللبناني او يفاجئه، صار يمرّ كأي خبر عادي عن حوادث السير اليومية او لقاءات السياسيين الدورية، فظاهرة الجريمة تشتد سنة بعد سنة، وتتطور معها الاساليب الوحشية والتفنن والتنكيل بارتكاباتها.

"أصبح الانسان يقتل تحقيقاً لهدف ما صنفّه برأسه، فيمكن ان يكون لدى المجرم معاناة مع مرض نفسي ولديه اضطراب سلوكي تمخض عنه حالة من العدائية"، يشير الاخصائي في علم النفس العيادي الدكتور ​نبيل خوري​ في حديثه مع "النشرة"، ويتابع: "يمكن ان يكون المجرم غير منسجم مع طاقاته الفكرية، كما انه يكون مجرداً من الحس بالمسؤولية، ومعدوم الخوف من القانون لان العقوبات دائماً ما تكون واهية ومن الصعب علينا ان نتوقف عندها دون انتقاد، وهذا اكثر ما يدفع المجرم الى التجرؤ على ارتكاب جرمه بأشنع الاساليب وأوحشها".

بالعودة الى أفظع الجرائم التي شهدناها، ففي العام المنصرم، اقدم المدعو يوسف سعدو ببلدة مشتى حسن العكارية، على اطلاق النار على ولديه الاثنين وارداهما، لينتحر بعدها باطلاق النار على نفسه من بندقية صيد. وفي العام الذي سبقه أي الـ2015، تم العثور داخل مبنى قيد الانشاء في بشامون على جثة الطفل محمود محمد الخضر العاصي البالغ من العمر 9 سنوات، بعدما كان قد فقد قبل يوم، واعترف صديقه القاصر ع.ع. 15 سنة بارتكابه جريمة القتل ضرباً على الرأس بآلة حادة بعدما قام باغتصابه.

يلفت خوري الى ان "المراهق القاصر الذي اغتصب صديقه وقتله، عادة ما يكون بحالة من الهيجان حتى يتم فعل الاغتصاب، ثم يبدأ حساب الذات الذي يؤدي الى عقاب الذات (عقدة الذنب)، ومن جملة الامور التي يسعى المُغتصب ان ينتهي منها، هي الخوف من ان يشهد المُعتدى عليه ضدّه فيسعى بخطأ أشنع من الخطأ الاول الى ازالة هذه الامكانية، وتسقط الروادع التي تحول دون قتل الضحية".

وبحادثة مروعة حدثت في السنة ذاتها، رمى ياسر علي صعب بزوجته من على شرفة منزلهما في الطابق الثاني من مبنى الفيروز بدوحة بشامون، بعد تعنيفها وضربها بسبب المشاكل العائلية وسوء الاحوال المادية، حيث حطت في باحة المبنى مضرجة بدمائها.

ويعتبر خوري ان "كل حبيب او زوج يمكن أن يقتل حبيبته او زوجته لسبب او لآخر، اما من باب الغيرة او التقصير او خوفه من خسارتها او من قوة التملك الموجودة لديه، فلا يريد ان يرى اي انسان آخر يتنعم فيها فيلغي هذه الامكانية بقتلها ليفنيها من الوجود".

ومن منا ينسى جريمة الذبح الشهيرة التي ارتكبها طارق يتيم بحق الضحية ​جورج الريف​، وجريمة القتل المروعة في بلدة السعديات التي راح ضحيتها المدعو السوري مهند العسَلي طعناً وحرقاً، وقيام أهل الفتاة ردينة ملاعب ببتر الاعضاء التناسلية لربيع الأحمد الشاب العكاري الذي أحبها، وغيرها من الجرائم الوحشية التي لا يمكن ان يتقبلها عقل ولا يشرعها دين.

أما الجريمة الموصوفة التي هزت الرأي العام مؤخراً، تمثلت بإقدام المدعو مارك يمين على اطلاق النار من مسدس حربي على كل من طلال حميد العوض وخليل القطان اللذين قتلا على الفور بعد مشادة كلامية بينهم امام الفان الذي يملكانه لبيع النسكافيه والقهوة بقب الياس .

ورغم بعض ايجابيات مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت، إلا ان خوري يوضح أن "هناك قاذورات عديدة موجودة فيها تساهم في زيادة نسبة الجرائم عبر نشر صور القتل والدماء والحروب والتحريض المتبادل وغيرها"، لافتاً الى ان "هناك ضيف ثقيل الظل دخل الى بيوتنا دون استئذان وهو الانترنت، يحتوي على مواد اساسية وهامة تساهم بتنشئة الانسان وتثقيفه، ويحتوي على القاذورات التي تكلمنا عنها، فالعملية اصبحت خارجة عن سلطة الدولة والشعب. لذلك وجب ايجاد ضوابط ورقابة اكثر على مواد مواقع التواصل الاجتماعي وتنظيم شؤون المجتمع وتحضير جهوزية في وزارة التربية تفرضها على المدارس، لتأهيل الطلاب لمواجهة ما يمكن ان يظهر من هذه القاذروات التي تدخل الى بيوتهم وتنبيههم عليها".

بناء على كل ما تقدم، من عوامل نفسية، اضطرابات اجتماعية، وظروف حياتية يومية، وارتباطها بأفظع اساليب القتل، تبقى تنمية المجتمع المحلي وتعزيز القيم الانسانية ونشر الوعي وغرس الاحترام للقوانين هي الرادع لكل الجرائم الوحشيّة.