في تقييم سريع لخطاب أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصر في المهرجان الذي أقيم في الذكرى 17 لعيد "المُقاومة والتحرير"، يُمكن تسجيل المُلاحظات التالية:

أوّلاً: من حيث الشَكل، إختار "حزب الله" مدينة الهرمل لإستضافة المهرجان، وأثنى أمين عام "الحزب" على أبناء المنطقة لدورهم الرئيس في مُختلف المعارك، في محاولة غير مباشرة للردّ على الإتهامات التي نالت من سمعة أهالي منطقة بعلبك الهرمل في المدّة الأخيرة، بعد تفشّي عمليّات القتل والسلب والإتجار بالممنوعات على يد عصابات تتخذ من هذه المنطقة مخبأ لها.

ثانيًا: من حيث المَضون، شكّل خُطاب السيّد نصر الله تكرارًا لمواقف سابقة، حيث جدّد مثلاً التشديد على فصل الساحة اللبنانيّة عن الصراع المُحتدم في المنطقة، وعلى ضرورة تأمين جرود عرسال، وعلى أنّ "حزب الله" الذي صار أقوى من أيّ وقت مضى سيبقى في ميادين القتال آملاً هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في المُستقبل غير البعيد. كما جدّد إنتقاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومُهاجمة السعودية داعيًا إياها في الوقت عينه إلى محاورة إيران، ساخرًا مما يتردّد من عقوبات ستطال "الحزب"... وبالتالي، كرّر أمين عام "الحزب" العديد من المواقف المُعلنة السابقة، وأعاد التذكير بمُعطيات وبتفاهمات وبوقائع سبق أن تحدّث عنها في خطابات قديمة، حيث لم يخرج خُطابه الأحدث عن الخطوط العريضة المعروفة من قبل الجميع، إن لجهة مُهادنته لتيّار المُستقبل وللحكومة وللسُلطة داخليًا، أو تصعيده ضُدّ السعودية وأميركا خارجيًا.

ثالثًا: بالنسبة إلى الجديد الذي حمله خطاب السيّد نصر الله، فتمثّل في الملفّ الإنتخابي الداخلي، حيث تحدّث عن أمل حقيقي بالتوصّل إلى قانون جديد، وقال ما حرفيّته: "بحسب معلوماتنا في اليومين الماضيين هناك أفكار جديدة يُمكن أن تُوصل إلى نتيجة طيّبة" ولوّ أنّه ذكّر بأنّ "الوقت يضيق". ويأتي كلام أمين عام "حزب الله" ليتقاطع مع معلومات بعيدة عن الإعلام مفادها أنّ تقدّمًا لا بأس به قد حصل على مُستوى قانون الإنتخابات النيابيّة الذي يعتمد مبدأ التصويت النسبي الكامل، نتيجة التعامل مع الخلافات السابقة بشأن تفاصيله وفق مُقاربات جديدة يُمكن أن تُفضي في نهاية المطاف إلى حلّ لمسألتي "تقسيم الدوائر" و"الصوت التفضيلي"، في ظلّ مؤشّرات إلى إمكان تقديم تنازلات مُتبادلة بالنسبة إلى كل من "حجم الدوائر" من جهة في مُقابل "نقل المقاعد" و"القيد الطائفي" من جهة أخرى.

كان لافتًا قول السيّد نصر الله: "ما زلنا نُصرّ على أهمّية الوصول إلى قانون جديد"، في تجديد غير مُباشر لرفض "حزب الله" لقانون الستّين، خاصة وأنّه ذكّر بمواقف الجميع الرافضة للتمديد وللفراغ وللستّين، مُشدّدًا في الوقت عينه على أنّ ما يحفظ المصداقيّة هو الوُصول لقانون جديد. وهنا إشارة إلى أنّ "حزب الله" هو الأكثر تضرّرًا من بقاء "قانون الستّين" على الرغم من أنّه الطرف الوحيد-مع حركة أمل، الذي يضمن بقاء حجم كتلتيهما من دون تغيير. لكنّ الضرر هو على المُستوى السياسي العام، حيث لن يتمكّن "الحزب" عندها من تغيير التوازنات الداخليّة القائمة منذ أكثر من عقد، كما كان يأمل. إشارة إلى أنّ تطبيق "القانون النافذ حاليًا" سيُؤدّي أيضًا إلى تبدّل في التحالفات السياسيّة، وإلى زعزعة أسس التحالف العريض السابق الذي كان يجمع في دورة العام 2009 الإنتخابيّة، بين "التيّار الوطني الحُر" من جهة، وأحزاب وقوى "8 آذار" من جهة أخرى.

خامسًا: كان لافتًا دعوة أمين عام "حزب الله" رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، بأسلوب مُهذّب وغير مباشر، إلى فتح دورة إستثنائيّة لمجلس النوّاب، حيث قال: "عندما يقول الرئيس عون أنّ القوى أمام فرصة حتى 20 حزيران، فالطبيعي هناك عقد إستثنائي لمجلس النوّاب". وهنا إشارة إلى أنّ "حزب الله" يُطالب بفتح دورة إستثنائيّة لأنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي يرفض تكبيل يديّ مجلس النواب في الفترة المُتبقية من ولاية المجلس المُمَدّدة، وهو أرسل أكثر من رسالة تهديد مُبطّنة بأنّه في حال عدم فتح دورة إستثنائية قبل جلسة الإثنين المُقبل، فإنّه سيعقد هذه الجلسة وسيطرح التمديد لمجلس النوّاب، ردًا على إستخدام سُلطات المجلس ورقة ضغط في عمليّة شدّ الحبال على خط الملفّ الإنتخابي. وبالتالي، يُحاول "الحزب" إنتزاع فتح دورة إستثنائيّة في الساعات القليلة المُقبلة، تجنّبًا لأي تصعيد جديد مُحتمل بين حليفيه: أي "التيار الوطني الحُر" من جهة و"حركة أمل"من جهة أخرى.