فعلها الاميركيون اخيراً، وقام الرئيس ​دونالد ترامب​ بما قام به اسلافه، انما خلال فترة قياسية وبأموال اكبر بكثير. الاعلان الرسمي الذي تحدث عن موافقة قطر على شراء طائرات اميركية من طراز "اف-15" بمبلغ ضخم وصل الى 12 مليار دولار، يوضح كل شيء.

قد يصدر توضيح في وقت لاحق او انباء تنفي او تؤكد الخبر (رغم انه صادر عن وزير الدفاع القطري الا ان التحجّج بتحوير الكلام او حصول خرق ما، يبقى فرضية واردة)، ولكن الثابت ان "لا دخان بلا نار"، وان صفقة ما تم طبخها بسرعة مع القطريين ما ادى الى ارسال سفينتين حربيتين اميركيتين الى الدوحة لاجراء تمارين مشتركة مع القوات البحرية القطرية، وهي رسالة معبّرة بذاتها. هكذا، نجح ترامب في اضافة المليارات، عبر خطة بسيطة لم تحتج الى الكثير من التخطيط، فعمد فقط الى "صب الزيت على النار"، لتنهال عليه الاموال من الدول الخليجية وبكميّات لا يمكن حصرها. وبالسرعة نفسها التي تضخمت بها الازمة الخليجية الاخيرة، تم احتواؤها ايضاً بعد مسارعة قطر الى "استرضاء" ترامب ودفع المتوجب عليها لنيل الامان والاطمئنان.

ولم يكن من البراءة بمكان ارسال الاميركيين سفينتين للقيام بتمارين مشتركة مع القطريين في هذا الوقت بالذات، وبعد تصريحات متناقضة وتغريدات مبهمة للرئيس الاميركي حول قطر والارهاب وما هو مطلوب منها. صحيح ان دول الخليج المعنية بالازمة مع قطر، لم تفرض عليها حصاراً جغرافياً، ولكنها اغلقت الحدود في وجهها، ودفعتها بالتالي الى احضان ايران وتركيا. ولكن، اليس هناك من يسأل كيف لاميركا وهي التي اعلنت السعودية انها حليفتها، واعادت للرياض مكانتها في الخليج، ان ترسل سفينتين الى الدوحة والا تصدر اي بيان رسمي من شأنه ازالة اي التباس قد ينشأ حول قضية صفقة الـ12 مليار دولار؟ وكيف يمكن لاميركا ان تبرم صفقة مع دولة تعتبرها السعودية (وهي دولة حليفة)، مركز عدم استقرار في المنطقة ومشجعة للارهاب والارهابيين؟ وهل هناك عديد كاف من الجيش القطري بأكمله لقيادة اسطول الطائرات الحربيّة؟، علماً ان صفقات عسكرية مماثلة مع الاميركيين (لناحية المبلغ) جرت في الاعوام السابقة. من المؤكد ان الطائرات سترابض في قاعدة "العديد"، وسيستخدمها الجيش الاميركي المتواجد هناك لتنفيذ عمليات عسكرية عائدة له في سوريا والعراق وافغانستان، فيكون الوفر المالي كبيراً جداً بحيث لا يتكلف الجيش صرف اموال نقل الطائرات والاسلحة، فهي ستكون موجودة هناك وعلى نفقة القطريين.

ان هذه التطورات إن دلت على شيء، فعلى ان الامور في المنطقة لم تتغير منذ عقود من الزمن، حيث السيطرة الاميركية لا تزال على حالها، مع فارق انها انتقلت الى مستوى اعلى من الربح على الصعد السياسية والمالية، وانها لا تزال تستغل انشقاق العرب وعدم ثقتهم ببعض من اجل تحقيق غاياتها. وقد باعت اميركا على مر السنوات الاخيرة، اسلحة وعتاداً الى الخليج يفوق قدرة هذه الدول على استيعابها حتى ولو انها تخوض معارك عسكرية يومية على جبهات القتال، فكم بالحري اذا لم يطلق صاروخ واحد من هذه الاسلحة (ما خلا السعودية التي استعملت بعض اسلحتها في اليمن)، فأين هي هذه الاسلحة وما الهدف من تجميعها؟.

لا يتوقع احد ان تشهد المنطقة تغييرات في الشكل، طالما ان الانظمة العربية الحاكمة في الخليج مستمرة على نهجها، وبالتالي سيبقى الخليج "خزاناً مالياً" للاميركيين الى ان ينضب، وعندها قد تتغير صورة المنطقة بشكل دراماتيكي وسيتم تقسيم الادوار والنفوذ وفق مصالح الدول الكبرى وفي مقدمها طبعاً اميركا وروسيا.

الا ان السؤال الذي سيبقى عالقاً في الاذهان، يتعلق بمصير الكميات الضخمة من الاسلحة النوعية وما اذا كانت الدول المصدّرة لها ستستعيدها كونها لا تزال في حالة جديدة؟!.