صحيح أنّ سياسة ​إيران​ الخارجية ترتكز على ثوابت معلنة، لكن في هذه السياسة المرنة والهادئة يتقدّم منطق الحوار على ما سواه، وذلك وفق رؤية واضحة لا تتعارض مع المبادئ، لكن في المقابل هناك إصرار لدى بعض ​الدول الخليجية​ على عدم فهم حقيقة المساعي الإيرانية لإيجاد أرضية مشتركة عنوانها التلاقي والتعاون والتفاهم. وهناك دول غربية تحاول التملّص من فكرة التعامل مع إيران بجدية ونديّة، رغم أنّ هذه الدول وجدت نفسها مضطرة للتسليم بأنّ إيران رقم صعب في المعادلتين الإقليمية والدولية، وتجلّى ذلك بتوقيع ​الاتفاق النووي​ بين إيران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً.

ألف باء سياسة إيران الخارجية حيال دول الإقليم، وخصوصاً تجاه جاراتها، بأنها لا تناصبهم العداء. وأنّ سعي إيران لامتلاك القدرات الكبيرة ليس موجهاً ضدّهم، ولا يهدف إلى تطويعهم، فما تسعى إليه إيران وما حققته تطمح إليه أيّ دولة في العالم، لكن الفرق أنّ هناك دولاً تمتلك القدرات لتمارس السطوة والشرّ على دول أخرى، في حين أنّ إيران تمتلك القدرات وتحقق الإنجازات لأغراض سلمية، حتى أنّ مشاريعها النووية لأغراض الطاقة، كانت عرضتها على السعودية وربما على دول خليجية أخرى، ما يعني أنّ كلّ ما تسوقه الدول الخليجية من اتهامات بحق ​طهران​، لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة.

ورغم أنّ إيران تتلقّى بصدرها أنواع الاتهامات كلّها، فهي لن تتخلّى عن منطق الحوار فهو إحدى منظومات الصدّ المطوّرة، لكن ثمة «عقلاً بدوياً» وفق تعبير مسؤول إيراني مخضرم، يُصرّ راهناً على فهم تطوّر إيران وتقدّمها تحدّياً له، في حين أنّ المسؤولين في إيران يتحدّثون بجرأة وواقعية عن انتهاء زمن الإمبراطوريات، وأنّ الزمن الحالي والمقبل لا بدّ ان يكون زمن الشراكة والحوار والتفاهمات الكبيرة.

المعنيون في إدارة دفة السياسة ​الخارجية الإيرانية​، يتقنون أدوارهم جيداً ويفهمون ملفاتهم عن ظهر قلب، لذا من الصعب الوقوع في شرك الأسئلة المحرجة أو المفخّخة، التي تستدرج أجوبة يستخدمها الخصوم لتصعيد الحملات والاتهامات.

وعليه فإنّ أبواب الحوار المغلقة من الجانب السعوخليجي، لن تغلَق من جهة إيران، لأنّ في الحوار والعلاقات الإيجابية بين دول المنطقة والإقليم مصلحة للجميع، بحسب المسؤولين في إيران.

وعندما تكون الأسئلة ضاغطة أكثر يلجأ الإيرانيون إلى سلاح المبادئ. وهو سلاح ذو حدين، لكن براعة الساسة في إيران، تتكفل بالجمع بين المبادئ والمصالح، حيث إنّ الحوار والتفاهمات وعلاقات التعاون مبدأ ومصلحة يهدفان إلى تحقيق استقرار المنطقة وأمن شعوبها، علماً أنّ هذا الاتجاه لا يلغي حقيقة أنّ الدول الخليجية هي بمعظمها راعية وداعمة ومؤسّسة للإرهاب وبعضها يقيم علاقات تطبيع مع العدو «الإسرائيلي»، في حين أنّ إيران تقف إلى جانب سورية في محاربة ​الإرهاب​، وتقف مع المقاومة في فلسطين وفي ​لبنان​.

ما هو مؤكد أنّ إيران جدّية في السعي الى حوار مع جيرانها، لكنها مع هذا الحرص لا تعتبر الحوار هدفاً أوحد، ولا ترى في امتلاك عناصر القوة هدفاً أوحد، بل تؤسّس لعناصر قوة إضافية تتمثل في تظهير معالمها السياحية التي تشكل أحد أوجه الدولة المنفتحة، وبالمشاريع الاقتصادية والإنمائية والنموذجية، التي هي نتاج الاستثمار بالعقل.

إيران عن قرب، هي ذاتها التي نرى صورتها من خلال السياسة الخارجية، دولة تحتكم الى الديمقراطية، وتسعى بالحوار إلى علاقات تعاون مع جيرانها على قاعدة المصلحة المشتركة.