قبل اطلالة أمين عام ​حزب الله​ السيد حسن نصرالله مساء ستكون ​جرود عرسال​ قد "لفظت" ارهابيي النصرة، فالمعركة التي انطلقت فجر الجمعة الماضي شارفت على النهاية بعد أن سيطر مقاتلو الحزب على 95 بالمئة من المساحة المحتلة في معارك بطولية نضيء على واحدة منها في هذا التقرير، قبل اتجاه الأنظار الى امرين مهمين، ماذا عن مواجهة داعش، ومن سيتسلم جرود عرسال؟.

معركة ضهر الهوّة

في جرود عرسال استعان حزب الله بثلاثة ألوية مقاتلة، تقول مصادر بالمقاومة لـ"النشرة"، مشيرة الى أن المساحة الكبيرة للجبهة تحتاج الى أعداد ضخمة من المقاتلين، الا أن اللافت في المعارك الاخيرة كان "التكتيك" العسكري الجديد الذي اتبعه الحزب لتحرير التلال "الحاكمة"، وهي سميت كذلك نسبة لارتفاعاتها وتحصيناتها الصخرية الطبيعية، واشرافها على مساحات واسعة حولها، تقول المصادر. وتضيف عبر "النشرة": "600 مقاتل ارهابي هو مجموع ما تملكه "النصرة" من رجال، ولكن توزيعهم على مجموعة من التلال العالية جعلهم يحتلون مساحة تصل الى 90 كلم مربع، اذ كانت عمليات القنص هي القوة الابرز التي يتمتع بها الارهابيون"، بالاضافة الى الطبيعة الجغرافية للمنطقة، كاشفة أن عملية المقاومة الابرز كانت في تلة ضهر الهوة، الأكبر في جرود عرسال.

بدأ الهجوم على التلة الممتدة على مسافة 2 كيلومتر والمنقسمة الى مرتفعين أساسيين الساعة الخامسة عصرا عبر محورين لحزب الله ومحور مدفعي مؤازر للجيش السوري، فكانت مجموعتا "عمّار" و"حيدر" تتقدمان سيرا على الأقدام بإتجاه التلة على وقع القذائف التي تواكب التقدم، وقد استعمل في تلك المعركة مدفعا حديثًا يصيب أهدافه بدقة متناهية، تقول المصادر، مشيرة الى أن المقاومة "زرعت" في تلك المعركة 10 شهداء، قبل أن تحصد النصر الساعة الرابعة فجرا. وتضيف المصادر: "شكلت الصخور الضخمة تحصينات طبيعية للمسلحين بالاضافة الى "الباطون المسلح" الذي استعملوه لبناء أسقف تحت الصخور، كذلك بين المرتفعين غرفة مبنية من "باطون" وتحتها نفق استطاع عبره أحد القناصين من اصابة عدد من المقاومين، قبل أن نتمكن من دك الغرفة بسلاح "الهاون"، والتقدم نحوها وقتل القناص، اما عند المرتفع الثاني تمكن أحد مقاتلي النصرة من اصابة شاب عبر نفق أيضا محفور بين الصخور، واصابة المقاتل الذي تقدم لسحب صديقه، وعندها كانت الاشتباكات مباشرة اذ تفصل بين المقاومة والعدو أمتار تقل عن الخمسة أحيانا".

ماذا عن داعش؟

تسيطر "داعش" على مساحة جغرافية أكبر من تلك التي كانت بحوزة "النصرة"، وتمتد بالجرود ال​لبنان​ية من ضهور الخنزير جنوبا، وصولا الى جبل الخشن شمالا، وفي الجرود السورية من خربة حمايم شمالا وصولا حتى جبل الزمراني جنوبا. ولكن المساحة الجغرافية ليست معيارا لقوة التنظيم، فداعش في هذه الجرود لا يعدو كونه "ذليلا" لدى ​جبهة النصرة​، وما ساعده على السيطرة هو وجود تلال شاهقة يمكن لعنصرين فيها ان يغطيا مساحة كبيرة من الاراضي الجردية، تقول مصادر المقاومة.

وفي التفاصيل كما تسردها المصادر أن "داعش" قد خسر الكثير من المقاتلين في السنوات الماضية وآخر خساراته كانت العام الماضي عندما حاول الدخول الى مناطق نفوذ "النصرة" في جرود عرسال، مشيرة الى أن التنظيم اليوم لديه ما لا يزيد عن 275 مقاتلا، محاصرين منذ مدة، فلا يأكلون ما كانت "النصرة" تأكله، اذ أن القناص لديهم يُعطى "كيسا" صغيرا فيه عبوة مياه وعددا من حبوب الزيتون، وكمية من "المتّة" والسكر، فتكفيه هذه الكمية لعدة أيام في نقطة محددة لا يغادرها إطلاقا، ولا يستعملون ما كانت "النصرة" تستعمله، اذ أن أمير "داعش" في الجرود اللبنانية و​القلمون​، موفّق الجربان، الملقب بـ"أبو السوس"(1) يركب الدراجة النارية ولا يملك مادة "البنزين" ليستعمل السيارات الكبيرة".

وتكشف المصادر أن "داعش" كانت تقايض "النصرة"، فتقدّم الذخيرة والسلاح مقابل ليترات قليلة من "البنزين"، مشيرة الى أن هذا الواقع يجعل التنظيم الإرهابي عاجزا عن الدخول في معارك قاسية، كاشفة أن نتيجة حربنا ضد "النصرة" جعلت "أبو السوس" يطلب التفاوض مع حزب الله، مشيرة الى أن المقاومة لن تصرّح شيئا عن "ملفّ" داعش اليوم ولكنها تؤكد ان أمرا ما سيحصل قريبا جدا في هذا الإطار.

مصير جرود عرسال

لن تبقى "المقاومة" في جرود عرسال بعد تحريرها، تقول المصادر، مشددة على أن ​الجيش اللبناني​ سيتسلم كل الجرود. وفي هذا السياق تكشف مصادر متابعة أن مهمة الحفاظ على سلامة المنطقة واستقرارها لن تكون سهلة على أي جهة، فهي بحاجة الى ما يقارب العشرة مواقع ثابتة، ما يعني الحاجة الى اثنين من ألوية الجيش اللبناني، مع كامل تجهيزاتهم، مشيرة الى أن الجيش أبدى سابقا استعداده لحماية أي منطقة في لبنان، وهذا ما يوجب على ​الحكومة اللبنانية​ ان تبادر فورا لمدّ الجيش بما يحتاجه لتحقيق المهمات الصعبة.

ما يزيد عن 120 ارهابي قتلوا في ​معركة جرود عرسال​، من جنسيات مختلفة، والمقاومة تحتفظ ببعض جثث هؤلاء ومن بينهم عربا، فهل يتعظ ارهابيو "داعش"؟.

(1) موفق الجربان المعروف بموفق أبو السوس: أمير داعش في القلمون والجرود اللبنانية منذ العام 2015. بدأ أبو السوس تدرجه الارهابي في ​الجيش السوري​ الحر، ومن بعدها انتقل الى داعش، ثم انشق عنها وشكل لواء الفاروق بعد التمرد على أميره أبو بلقيس، ومن ثم حاول الحصول على موقع قيادي في جبهة النصرة وفشل فعاد أميرا في تنظيم "داعش".