"لبنان على الخطوط الامامية للمعركة ضد داعش والقاعدة و​حزب الله​"...

شكّلت هذه العبارة، التي وردت على لسان الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، وهو يقف جنبًا إلى جنب رئيس ​الحكومة اللبنانية​ ​سعد الحريري​، وبحضور وزير الخارجية ​جبران باسيل​، محطّ "سخرية" للإعلام الأجنبي خلال الأسبوع الماضي، باعتبار أنّ "حزب الله"، الذي افترض ترامب أنّ لبنان يحاربه، هو جزءٌ من الحكومة التي يترأسها الحريري، بل هو متّهَمٌ بمصادرة قرارها بشكلٍ أو بآخر.

لم يُعرَف ما إذا كان الأمر قد التبس على ترامب، أم أنّه أساء التعبير ببساطة، أم أنّه قصد ما قاله من باب الاستفزاز ربما، إلا أنّ ما عُرِف هو أنّ الوفد اللبناني الرسمي التزم الصمت، فلم يصحّح ولم يوضح، ما دفع الكثيرين للتساؤل عمّا إذا كان "حزب الله" سيلتزم الصمت هو الآخر، أم أنّ الأمر سينعكس على طاولة مجلس الوزراء، المعرّضة أصلاً للاهتزاز في اجتماعها المقبل!

الأولويات مختلفة

بدايةً، لا شكّ أنّ "حزب الله" لم ينظر بعين الرضا لزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري والوفد المرافق إلى ​الولايات المتحدة الأميركية​ من أصلها، رغم كلّ المحاولات التي جرت لـ"تجميل" الزيارة من خلال القول بأنّ الهدف منها التخفيف قدر الإمكان من وقع العقوبات الأميركية على الحزب، ومن خلفه على لبنان، كما التمهيد لموجة جديدة من المساعدات العسكرية الأميركية للجيش اللبناني، المتوقعة خلال الزيارة المرتقبة لقائد الجيش العماد ​جوزيف عون​ إلى ​واشنطن​.

وكما ارتاب الحزب من أصل الزيارة، فهو كان ممتعضًا أيضًا من "المضمون" الذي لم يأتِ دون التوقعات فحسب، بل دون الطموحات المرجوّة، على تواضعها، وقد عبّر عن هذا الامتعاض خير تعبير الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله خلال كلمته التلفزيونية الأخيرة، بمجرّد تأجيله الموقف من الزيارة ريثما يعود الوفد اللبناني من واشنطن، "تسهيلاً لمهمّته"، كما قال، وهو كان يلمّح إلى أنّ لديه الكثير ليقوله عن هذا الموضوع، ولكنّه سيتركه لوقته حتى لا يُتّهَم من قبل هذا أو ذاك بالتشويش على الزيارة، ومنع الوفد اللبناني بموجب ذلك من تحقيق المكاسب التي ينشدها منها.

وإذا كانت التصريحات الأميركية المناهضة لـ"حزب الله" باتت أمرًا يفخر به "حزب الله"، الذي يعتبر قياديّوه أنّ عليهم إعادة النظر بسياستهم متى صدرت إشادة أميركية بهم، لا العكس، فإنّ ذلك لا يعني أنّ تصريحات الرئيس الأميركي لم تكن محطّ استياء من قبل الحزب، ولا سيما أنّها قوبلت بصمتٍ لبنانيّ مطبق يرى المقربون من الحزب أنه كان في غير محلّه، خصوصًا أنّ ترامب نطق زورًا وبهتانًا باسم الحكومة اللبنانية، واضعًا إياها في خانة الخصومة ليس مع مكوّن لبناني أصيل فحسب، بل مع جزءٍ لا يتجزّأ منها، يرى كثيرون أنّ الحكومة أصلاً لم تكن لتُشكَّل من دونه.

لكنّ هذا الاستياء لم يُترجَم على أرض الواقع، ليس فقط لتسهيل مهمّة الوفد اللبناني كما قال السيد نصرالله، بل بكلّ بساطة، لقناعةٍ راسخةٍ لدى الحزب بأنّ أولوياته اليوم باتت مختلفة بالكامل، فضلاً عن أنّ الكلمة أًصبحت للميدان، وعن جدارة. ولعلّ ما يعزّز هذه المقاربة هو "توقيت" ما حصل، تزامنًا مع معركة ​جرود عرسال​، التي يرى "حزب الله" أنّها تشكّل الردّ الأنسب على كلّ من يحاول جمعه مع ​الإرهاب​يين الذين يحاربهم في خانة واحدة، سواء كانوا في الداخل أو الخارج، وهو يكتفي بمشهد الالتفاف الوطني حوله، ولو لم يدم لما بعد انتهاء المعركة، تمامًا كما كان متوقعاً.

اهتزاز حكومي؟!

لكن، رغم هذا الاختلاف في الأولويات، ورغم إيلاء الحزب لمعركة الجرود وما سيتلوها من معارك في سياق حربه على الإرهاب اهتمامه في المرحلة الراهنة، إلا أنّ صمته لن يدوم، خصوصًا في ضوء عودة الانقسام من جديد مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في جرود عرسال حيّز التنفيذ، بل ذهاب البعض، حتى ممّن تحمّسوا لمعركة الجرود في بادئ الأمر وقدّروا التضحيات التي يبذلها الحزب فيها، إلى حدّ المطالبة بطرح سلاحه للنقاش من جديد، وإعلان عددٍ من الأفرقاء عن نيّتهم بإثارة الموضوع في جلسة مجلس الوزراء المقبلة.

من هنا، فإنّ التوقعات تشير إلى أنّ الحزب سيقابل هذه النيّة بنيّة إثارة الالتباس الذي حصل في واشنطن على طاولة مجلس الوزراء، انطلاقاً من اعتباره الصمت اللبناني الرسمي، ولو حصل من باب الحياء ليس إلا، خروجًا على البيان الوزاري والتفافاً على المعادلات التي أرساها هذا البيان، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي مقدّمها معادلة الجيش والشعب والمقاومة، التي كرّستها المعركة الحدودية، وإن تنصّل منها شركاء الحزب في الحكومة، علمًا أنّه لا يعارض البحث في ​الاستراتيجية الدفاعية​ من جديد، وتحت أيّ ظرف.

​​​​​​​

إلا أنّ الأكيد أنّ إثارة مثل هذا الموضوع ستكون محكومة بضوابط موضعية، بل بخطٍ أحمر كبير بالنسبة للحزب، وهو عدم تعريض الحكومة لأيّ اهتزاز، والحفاظ على التضامن الوزاري، ولو بالحدّ الأدنى، فهو يعتبر أنّ صمود الحكومة اليوم أساسيٌ بالنسبة له، فالوقت ليس مناسباً لأيّ تغيير في قواعد اللعبة، وخصوصًا بعد كلّ ما تحقّق. وعلى العكس ممّا قد يعتقده كثيرون، فهو يفضّل أن يبقى سعد الحريري المعارض له على رأسها، وليس مستعدًا لتكرار ما يعتبرها البعض "خطيئة" العام 2011، حين أسقط الحزب وحلفاؤه الحريري، حين كان أيضًا، وللمفارقة، في قلب ​البيت الأبيض​.

صمت أقرب للتواطؤ؟!

في الوقت الذي كان عناصر "حزب الله" يخوضون المعارك الشرسة في مواجهة إرهابيي "​جبهة النصرة​" لدحرهم من الأراضي اللبنانية، كانت قيادة الحزب تتوقّع أن يخرج، في الداخل والخارج، من يكرّر معزوفة رفض قتال الحزب، ووجوب حصر المرجعية العسكرية ب​الجيش اللبناني​، بمعزل عن أيّ شريك.

ربما كان الحزب يتوقع كذلك أن يصنّفه بعض "خصومه"، في الداخل والخارج أيضًا، في نفس الخانة مع من يحاربهم، رغم الظلم الذي تنطوي عليه مثل هذه المعادلة بالنسبة إليه، ولكن ما لم يكن يتوقعه أن يُعتبَر "هدفاً مشروعاً" للحكومة التي يشكّل جزءًا منها، والتي كانت له اليد الطولى في تركيبتها، وسط صمت أقرب للتواطؤ من شركائه في الحكم.

الأكيد، انطلاقاً من ذلك، أنّ الحزب لم "يبلع" صمت الوفد اللبناني على ما يعتبرها "إهانة ​الدولة اللبنانية​" ككلّ من قبل الرئيس الأميركي على مرأى ومسمع منه. ولكنّ أغلب الظنّ أنّ الأمور ستقف عند هذا الحدّ، وهنا بيت القصيد...