هل تكون الامور مجرد صدفة ام ان تزامن اعادة احياء طرح ​الاستراتيجية الدفاعية​ بالتزامن مع مواجهات ​جرود عرسال​ والتحضيرات للمواجهة في ​القاع​ و​رأس بعلبك​، تحمل ما تحمله من خفايا؟ في الواقع، لم يكن غريباً ان يثير طرد "​حزب الله​" لـ"جبهة النصرة" من جرود عرسال، حملة عليه من البعض في ​لبنان​، ولكن المفاجىء هو ان احداً من الخارج لم يتعرض للحزب بشكل علني، ولم تصدر مواقف تدين او تشجب العمل العسكري الذي قام به لطرد "النصرة"، ولا حتى نتيجة المفاوضات التي حصلت. هذا الامر يعني ان الغطاء الخارجي كان موجوداً من الناحية السياسية بحركة روسية ناشطة وناجحة، وبـ"قبّة باط" اميركية وغربية، وبالتالي فإن ما يحكى عن استياء اميركي من حزب الله في جرود عرسال لا يمكن البناء عليه.

داخلياً، كان "المخرج" الناجع يتمثل باعادة طرح "الاستراتيجية الدفاعية" واعادة موضوع سلاح حزب الله على الطاولة، مع العلم المسبق من قبل الجميع ان النتيجة لن تختلف عما آلت اليه في السابق، خصوصاً بعد اتساع نفوذ الحزب وتحوله الى لاعب اقليمي بعد ما حققه في ​سوريا​. وازاء هذا الواقع، كان لا بد من ادخال ​الجيش اللبناني​ على الخط، من هنا يطرح البعض معادلة جديدة قوامها انه على الجيش ان يخوض المعركة ضد "داعش" ويطردها، فيستلم زمام الامور العسكرية في لبنان، ولا يعود من حاجة الى سلاح الحزب، وتصبح الاستراتيجية الدفاعية ضرورة، وقد تحقق اهدافها.

الا ان طرح الموضوع من هذه الزاوية دونه عقبات عدة، اولها ان حضور الحزب داخلياً واقليمياً قام على مبدأ المقاومة المسلحة، وبالتالي لا يمكن بهذه السرعة انهاء هذا المفهوم امام قاعدته الشعبية الكبيرة، ناهيك عن عدم التوافق السياسي في لبنان حول هذا الامر الذي يجب ان يكون القرار فيه بالاجماع. اما الامر الثاني فيتمثل في كون الحزب اعطى الضمانات والتطمينات الكافية للسنّة وللجيش (ومن خلالهما للبنانيين جميعاً) بأنه لا يشكل خطراً او عقبة امام سير الامور بطريقة طبيعية، لا بل ذهب الى حد الدعوة لاستلام الجيش المواقع في جرود عرسال، كما ارسل وفداً الى تلك البلدة لترسيخ مضمون رسالة الطمأنة. ويبقى الامر الثالث والابرز وهو يتعلق بعدم رفع "الفيتو" عن بعض الاسلحة التي يجب ان تتوافر للجيش اذا ما اراد بالفعل ان يكون الحامي الوحيد للبنان من الاخطار، فالسلاح الذي بحوزة ​المؤسسة العسكرية​ اليوم يعتبر الحد الادنى المطلوب لمواجهة المنظمات الارهابية فقط، ولا يمكنه مقارعة اي تهديد خارجي يمكن ان يتعرض له من قبل اسرائيل او غيرها.

ولكن المراهنين على انحسار موجة المواجهات العسكرية في الفترة المقبلة، وتقسيم النفوذ السياسي في سوريا و​العراق​، والتواجد الروسي الدائم في سوريا والمنطقة، كلها عوامل يعتبرها هؤلاء مؤشراً على عودة حزب الله الى لبنان وبداية تحوله من العمل العسكري الى العمل السياسي لان التصعيد لم يعد وارداً، فيما يتم حلّ قضية عناصره من خلال الاستراتيجية الدفاعية فإما ضمهم الى ألوية خاصة في الجيش، او ابقاءهم في وضع جهوزية عند الحاجة (بمثابة عناصر احتياط) ويستدعون عند الخطر او وفق ما تراه ​قيادة الجيش​ مناسباً.

قد لا يكون التزامن بين التحضيرات للمعركة ضد "داعش" بريئاً، وقد لا تكون المطالبة بحصر المعركة بالجيش اللبناني نابعة فقط من العاطفة الجياشة للمؤسسة العسكرية، ولكن من المؤكد انه لا يزال من المبكر التعويل على تحقيق نتيجة ملموسة من اعادة احياء الاستراتيجية الدفاعية، كما ان التهويل بموقف اميركي صارم وحجب المساعدات العسكرية للجيش في حال التنسيق مع الحزب، لا يمكن اعتباره منطقياً لان التنسيق قائم وبعلم الجميع، فيما سلّم الكل بمن فيهم حزب الله ان المعركة ضد "داعش" ستكون محصورة بالجيش، وانما يأتي الكلام الذي ظهر اخيراً، مجرد موقف لن يكون له تأثير عملي او سياسي على الاحداث المقبلة.