لا خلاف على أن الإستقرار والتحصين الأمني هو المدخل لأي نهوض إقتصادي وإجتماعي، والمعارك التي يخوضها الجيش ال​لبنان​ي اليوم تصب في هذا الإطار حيث تبذل الجهود الجبارة لتحرير الأرض وإستعادة السيادة.

ولكن ما لا يمكن فهمه هو غياب النقاش الإقتصادي الموضوعي في البلد وأسباب هذا الغياب قد تتلخص بالتالي:

أ- إصرار بعض الأطراف السياسية على ربط موقفها من الملفات الإقتصادية والإجتماعية بمصالحها السياسية والإنتخابية على الرغم أن المعاناة المعيشية تطال مختلف شرائح ​الشعب اللبناني​.

عملياً، ما ينتج عن هذا السلوك هو بعثرة العمل الإقتصادي وتحوله الى مجموعة من الإجراءات المتفرقة، والمتناقضة أحياناً، التي قد ترضي هذا الطرف أو ذاك بمعزل عن الرؤية الشاملة.

ب- الإفتقار الى الخطة الإقتصادية الشاملة: وقد تم التعبير عن هذا النقص بشكلٍ واضح من خلال إقرار قانوني ​سلسلة الرتب والرواتب​ و​الضرائب​ لتمويلها (رغم أحقية السلسلة التي لم يعد ثمة خلاف حولها) قبل إقرار قانون ​الموازنة​ العامة التي يفترض أن ترسم السياسية الإقتصادية للدولة ككل.

ج- بالإضافة الى الاستهجان الكبير لعدم إقرار الموازنة العامة لمدة 12 سنة متتالية بسبب الخلافات السياسية (وهو ما يعيدنا الى ربط السياسة بالإقتصاد)، فإن هذا التخبط يعكس غياب الرؤية الشاملة التي ترتكز الى معطيات علمية وتقنية وليس الى حسابات سياسية وفئوية.

د- في الدول الراقية، تعد الجهات الحكومية المختصة مشروعاً إقتصادياً متكاملاً ويقر في ​المؤسسات الدستورية​ المعنية، ثم ينطلق نحو التنفيذ. في لبنان، الخلاف يصل الى درجة أن بعض القوى ترى أن إنشاء ​السدود​ المائية مفيداً وأخرى تعتبره غير مفيد! حتى النظريات العلمية تتضارب وتتطاحن وتتطاير بين مختلف الأفرقاء سعياً لإثبات وجهات النظر!

لماذا يحاول البعض من اللبنانيين “سرقة” فرصة الإستفادة الجماعية اللبنانية من النهوض والتطور الإقتصادي؟ ومتى ستدرك بعض الأطراف أن مشروع الدولة الذي يلتف حوله اللبنانيون يتعزّز ويتعمق في أعلى درجاته عندما تؤدي هذه الدولة المنتظرة وظيفتها الإجتماعية والإقتصادية والمعيشية؟

إن تقوية مشروع الدولة، على عكس ما قد تعتبر القوى التي تجيد تسويق شعاراتها المصلحية على أنها عناوين وطنية، هو لمصلحة الأطراف السياسية مجتمعة وليس العكس، بينما إضعاف مشروع الدولة، ولو حقق مكاسب ظرفية وشكلية لبعض القوى، إلا أنه خيار مدمر على المستوى الوطني.

لا مفر من الإلتفاف حول مشروع الدولة، دولة المساواة والعيش المشترك، دولة الرخاء والإزدهار الإقتصادي، وليس دولة المحصاصة الفئوية والمذهبية، دولة المؤسسات وليس دولة المزرعة والدويلات.

عندما تقتنع كل الأطراف بمشروع الدولة، يمكننا القول إنها “حبيبتي الدولة”، كما كتب الشاعر الراحل محمد العبدالله.