إذا كان العونيون قدريّين عليهم أن يؤمنوا بأن أشياءهم لا تستوي من المرة الأولى وبأن شوائبهم لا تصطلح من المرة الأولى. وأبعد من ذلك، إذا كان العونيون قدريّين عليهم في المقابل أن يؤمنوا بأنه قُدِّر لهم على ما يبدو أن يسيروا وحيدين في شوارع انتخابية يحوّقها الضباب وقد لا تنجلي شمسُها إلا في ربع الساعة الأخير. هي الحال في جزين، لا بل هو سكينٌ جديدٌ في ظهر الثنائية المسيحية الآخذة في مقاومة أراييح اللاتفاق واللاتحالف.

لن يشفع الظاهر اللمّاع بالثنائية العونية القواتية بعد اليوم، وأغلب الظنّ ستزداد حدّة “لاشفاعته” كلما اقترب موعد الانتخابات التي يبدو أن هناك إصرارًا على إتمامها في موعدها. ليست حالُ مفاعيل تفاهم معراب على أرض الواقع الانتخابي مطمئنة ولا قابلة لاجتراح مزيدٍ من التسويغات التي لا تفهمها القاعدتان ولا الجمهوران.

حسابات مختلفة!

هو معقلٌ برتقاليٌّ آخر لن ينام العونيون هانئين قريري العين إزاءه بعدما قرّر رئيس ​حزب القوات اللبنانية​ ​سمير جعجع​ في ليلةٍ غير قمراء إعلان مرشّحٍ رسميٍّ له في القضاء لن يكون سوى الناشط الوفي عجاج حداد الذي ما استراح يومًا ولا زاح عن التزامه القواتي ولن يكون على ما يقول عارفوه مهادنًا أمام استبعاد القواتيين من المنطقة بعدما تكوّنت قناعة لديهم بأنه يحقّ لهم بعد طول انتظار وبعد اطّراد عديدهم الحصول على مقعدٍ سيرتضون هذه المرة بأن يكون “الكاثوليكي”. ليست الحسابات مشابهة في الرابية التي كان رئيسُها يظنّ لوهلةٍ أولى أن لا معركة فعلية في جزين وأن الصوت القواتي سيُمنح لا محال للائحة العونية مقابل تقديم دعمٍ عوني للائحةٍ قواتية في دائرةٍ أخرى. لن يكون السيناريو كما اشتهاه العونيون في جزين على ما يبدو، حيث يعيد ترشيحُ حداد خلط الأوراق لجهة الوجه الكاثوليكي المنافس على اللائحة العونية والذي يترنّح بين سليم الخوري الذي خاض الانتخابات الداخلية للحزب وتجاوز مرحلتيها الأولَيَين، و​جاد صوايا​ الشاب الطامح المحبوب الباحث عن ترشيح رسمي من القصر والمركزية عندما تقترب الساعة الحاسمة.

ليست ملزمة!

صعّبت معراب على الرابية المهمّة بترشيحها حداد. الصفعة أقوى من أي مكانٍ آخر هذه المرة ولا يمكن مقارنتها بجبيل ولا بالمتن اللذين طفا فيهما اسما مرشحَي القوات على السطح. بانتظام يعمل القواتيون. يقول كثيرون من أبناء المنطقة المطلعون على همس الكواليس إن هذه الخطوة ليست مُلزِمة لمعراب ولا للثنائية المسيحية إذ قد يتمّ سحب ترشيح حداد عندما تتمّ التسوية في حال رست على “مقايضةٍ” مثمرة في أكثر من دائرة ولكن ليس في جزين. يشعر العونيون بأمانٍ في هذا القضاء الجنوبي. يشعرون وكأنه يخصّهم وحدهم، وكأنه ملاذُهم الأول والأخير، وموضعُ قوّتهم التي لا تهتزّ ولا تتأرجح رغم يقينهم بأن “الخيانات” القريبة والبعيدة ستكون لهم في المرصاد.

ما بات معروفًا...

حتى الساعة لا يمكن البناء على ترشيحات استباقية قررت معراب أن تنتهجها في أكثر من دائرة، بيد أن كلام جعجع منذ ساعاتٍ قد يحمل مؤشراتٍ جلية ورسائل طمأنة الى الحليف المسيحي ومفادها أن التحالفات ما زالت غير واضحة. قد يُلام القواتيون على خطواتهم متى تبيّن أنهم يسيرون على جرح البيت العوني الجزيني الذي يعيش بعض التخبّطات التي لا تقتل بل تقوّي حسبما يؤمن أبناؤه. فما بات متداولًا في المدينة كما وفي قضائها أن النائب الحالي ​زياد أسود​ أصبح خارج المعادلة وأن مكان النائب ​أمل أبو زيد​ ومكانته محفوظان والأرقام مطمئنة في هذا المجال، وأن مستشار الرئيس الإعلامي جان عزيز سيكون المرشّح الماروني الثاني من دون أن يضمن فوزه خصوصًا أنه لا يمكن الاستهانة بالتأييد الذي يحظى به أسود والذي قد يصبّ في خانته على مستوى الصوت التفضيلي متى قرر الترشّح على لائحة منافسة ومتى حازت هذه اللائحة المحصّل المطلوب لاحتساب الصوت التفضيلي.

أسماء بديلة...

أبعد من ذلك، تعيش هيئة ​قضاء جزين​ في التيار الوطني الحرّ في الآونة الأخيرة حالة ترقُّب بعد “القيل والقال” اللذين أحاطا بها والكثير من التسريبات التي تولى أمرها “المحبّون الغيارى”. وفي هذا السياق علمت “البلد” أن “هيئة القضاء تقدمّت باستقالتها فعليًا الى مركزية التيار وأن هذه الاستقالة قُبِلت في انتظار المصادقة عليها من الرئيس ​جبران باسيل​ فور عودته، على أن تولد هيئة جديدة كحدٍّ أقصى الثلثاء أو الأربعاء المقبلين. أما الأسماء المرشّحة لخلافة أسعد الهندي فتتأرجح بين دومينيك عماد العاقوري، والنقيب حبيب فارس والدكتور طوني فرحات. وهناك توجّه صريحٌ في المركزية الى

لملمة الوضع على عتبة الانتخابات وإصلاح بعض التصدّعات والمباشرة بالعمل على الأرض لضمان بقاء جزين معقلًا عونيًا بلا منافس”.

... وحزب الله؟

في هذا الوقت، يرسل حزب الله الذي يتمتع بكتلة ناخبة وازنة في جبل الريحان إشاراتٍ خفيفة من باب مغازلته أحد المرشحين وكأني به يريد أن يقولها صراحة وعلى رأس السطح: لن يخترق القواتيون جزين. أما عدا ذلك، فيبدو الوقت متاحًا لكن ليس لفترة طويلة أمام عونيي جزين لإعادة ترتيب البيت بلا كثيرٍ من الصخب وبأقل الخسائر الانتخابيّة الممكنة.