لا تعتبر قضية سلف الخزينة التي أعطيت بمراسيم الى المؤسسات العامة والتي لم تستردها الدولة أمراً يمكن الإستخفاف به، لأن المبالغ التي نتحدّث عنها هي بمليارات ال​دولار​ات، بالأمس القريب حدثت أزمة هزّت الدولة برمتها وكادت أن تطيح ب​الحكومة​ بسبب تمويل ​سلسلة الرتب والرواتب​... فهل يدرك المعنيون في ​لبنان​ على مستوى وزراء ونواب أن هناك سلف خزينة بمليارات الدولارات قد تموّل ربما بدل السلسلة سلاسل "حطّ" رحالها في أدراج المؤسسات العامة منذ عشرات السنين ولم يسأل عنها أحد حتى اليوم!.

"​النشرة​" تكشف بالمستندات بعضاً من سلف الخزينة التي أعطيت لمؤسسات عامة منذ عشرين عاماً ولم يتم استردادها حتى اليوم. كيف تبخّرت؟ من المسؤول؟ أهي سرقات؟ أم هديّة من أموال الشعب؟ والى أين تذهب هذه الأموال؟.

من أبرز المراسيم التي حصلت عليها "النشرة" المرسوم الذي يحمل رقم 8158 بتاريخ 19 آذار 1996 والذي يقضي بإعطاء ​مصلحة سكك الحديد​ والنقل المشترك سلفة بقيمة 33 مليار ليرة و915 مليون ليرة أي ما يوازي 21 مليون دولار بمعدل يساوي معدل الفائدة السنوية عن سندات الخزينة، والغاية منها شراء باصات على أن يتم "اعادتها" في سنة واحدة من تاريخ دفعها ولم يتم تسديد سوى حوالي المليارين ليبقى 31 ملياراً و692 مليون ليرة. وهذا الأمر لا بدّ أنّه غيض من فيض رجالات الدولة الّذين نأتمنهم على أموالنا.

في 21 آذار 2001 وعلى أيام وزير المالية ​فؤاد السنيورة​ وبموجب مرسوم يحمل رقم 5098، أعطيت ادارة حصر التبغ والتنباك سلفة خزينة بقيمة 75 مليار ليرة لدفع ثمن المنتوجات التبغية لموسم عام 2000 الى ​مزارعي التبغ​ والتنباك، على أن يتم تسديدها خلال عام من تاريخ اعطاء السلفة ولم يسدّد أي مبلغ حتى الساعة. أين تبخّرت الأموال؟ ومن حصد من حيث لا يزرع؟.

ولمجلس الانماء والإعمار حصّة كبيرة في سلف الخزينة وواحدة منها حصل عليها بموجب مرسوم يحمل رقم 6841 في العام 2011 ولم يتم استردادها وقيمتها 17 ملياراً و487 مليون ليرة لبنانية، تمّ استرداد القليل وتبخّر منها 14 ملياراً و55 مليون ليرة. فهل تمّ تزفيت الطرقات او انشاء جسور من ​الذهب​ الخالص؟.

اللافت في هذه المراسيم أنها تتضمّن مجموعة بنود تتعلق بطريقة تسديد السلفة على أن يتولى مدير الصرفيات، ومدير ​الموازنة​ ومراقبة النفقات ومدير الخزينة في ​وزارة المالية​ مراقبة تسديد السلف، التي لم تسدّد حتّى اليوم.

وفي هذا الإطار يشرح الخبير الاقتصادي ​ايلي يشوعي​ عبر "النشرة" أنه "عندما تستلف المؤسسات العامة من خزينة الدولة يجب أن تردّ الاموال لأنها صرفت زيادة عن نفقات الموازنة"، مشيرا الى أن "​ديوان المحاسبة​ هو الجهة المسؤولة عن التدقيق في الماليّة العامة، أما مهمة وزارة المالية عبر المديريات المذكورة في المراسيم مراقبة تسديد سلفات الخزينة"، ومضيفا: "هناك أسلوب آخر اعتمد منذ العام 1993 فيما خص سندات الخزينة يقضي باسترداد السندات بسندات أخرى وبفائدة مرتفعة تصل الى حدود 40 %"، لافتاً هنا الى أن "وزارة المالية وعبر مديرية الصرفيات ومديرية الخزينة بالمطالبة، وفي حال لم تلق جواباً فعندها ديوان المحاسبة الذي يدرك سلفاً أن هناك سلفات خزينة غير مسدّدة يبلغ ​التفتيش المركزي​ و​الهيئة العليا للتأديب​ للتحرك ومحاولة تحصيل الاموال"، مشدداً في نفس الوقت على أن "هذه الاجراءات كلّها لم تتخذ لسبب بسيط ويعود الى أن أجهزة الرقابة كلّها معطّلة".

لا يمكن اعتبار الاموال التي اخذتها المؤسسات العامة على شكل سلفات خزينة دون أن تقوم بردّها الا "استهتاراً" ب​الدولة اللبنانية​، ويقيناً منها بأن لا محاسبة في هذا الشأن على مبدأ "انّ المال السائب يعلّم الناس الحرام"، في وقت يوضع الموضوع كلّه في خانة "هدر المال العام"، لتتحمّل المسؤولية المديريات المعنية في وزارة المالية من مديرية الخزينة المسؤولة عنها حاليا موني خوري الى مدير الصرفيات المسؤول عنه حاليا أيضا سمير حسن، اذ لم يقم أحد بالمهام الموكلة اليه بموجب المراسيم بمراقبة تسديد السلف، وصولا الى دور الحكومات المتعاقبة، فوزارة المالية التي لم يصدر عنها رسمياً أي شيء حتى الساعة فيما خص سلفات الخزينة تحديداً... ليبقى القول إن "سلفات الخزينة التي تنشرها "النشرة" (والتي يوجد غيرها الكثير) بأسماء المؤسسات والمبالغ التي استلفتها مرفقة بتاريخ اعطاء السلفة هي بمثابة إخبار الى الاجهزة الرقابية، وتحديداً التفتيش المركزي والهيئة العليا للتأديب للتحقيق فيها واتخاذ الإجراء المناسب".

أبرز المؤسسات التي أخذت سلف خزينة في السنوات السابقة:

- الصندوق المركزي للمهجرين/ 150 مليار ليرة لبنانية عامي 2007 و2010 (لم يسدد منها اي شيء).

- ​الهيئة العليا للاغاثة​ / 690.249.963.000 (ستمئة وتسعون مليار ومائتي وتسعة واربعون مليون ليرة) دفع منهم 2.198.434.25 (ملياران ومئة وثمانية وتسعون مليون ليرة) من العام 1995 وحتى 2015.

- مجلس الانماء والاعمار/ 114.054.575.000 (مئة واربعة عشر مليار واربعة وخمسون مليون ليرة لبنانية) سدد منهم 13.114.750.000 (ثلاثة عشر مليار ليرة ومئة واربعة عشر مليون ليرة) من العام 2008 الى 2015.

- ​مجلس الجنوب​ 80.000.000.000 (ثمانون مليار ليرة لبنانية) لم يسدّد أي شيء من المبلغ في عامي 2007 و2011.

اضافة الى مؤسسات أخرى موجودة في المستندات التي تنشرها "النشرة".