مساء الاثنين الفائت، ادلى رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ بحديث الى محطة فرنسية، تناقلت وسائل الاعلام مضمونها. من شاهد المقابلة وقرأ مضمون اجوبته، استنتج حتماً وجود اكثر مما قيل، وقراءة بسيطة بين الاسطر كفيلة باظهار ذلك.

اكد الحريري من دون ان يقول علناً، انه كان محتجزاً في ​السعودية​، فكلما توجه اليه المحاور الفرنسي بسؤال عن ظروف اقامته هناك او عما اذا كان محتجزاً او مقيّد الحرية، ابتعد عن الجواب المباشر ولفّ حوله لينتقل الى وجهة اخرى تريحه اكثر، مكتفياً بتكرار عبارة "الصدمة الايجابية" من جهة، والتأكيد على انه هو من كتب بيان الاستقالة من جهة ثانية. وبدا بشكل واضح ان الحريري قرر الا يتكلم عن الفترة التي قضاها في السعودية منذ اليوم الشهير الذي اعلن فيه استقالته وحتى وصوله الى منزله في ​فرنسا​، حتى انه قالها صراحة انه سيحتفظ بما حصل هناك لنفسه، ما يعني ان ما تعرض له هناك لم يكن امراً عادياً او طبيعياً، فأسكت بذلك كل الذين بقوا حتى اللحظة الاخيرة، يهاجمون من شككوا في حرية تنقل وتجول الحريري في المملكة.

الامر الثاني الذي يمكن استنتاجه ان رئيس الحكومة يرغب في البقاء في منصبه، ولكن ولانقاذ ماء الوجه، عليه ان يحصل على "تنازل" من ​حزب الله​ و​ايران​، يعيد الاعتبار الى السعودية. ووفق ما هو مطروح ويمكن متابعته، فإن المطلوب واحد وهو التخفيف من حدّة المواجهات في ​اليمن​، واعلاء النفوذ السعودي هناك ولو بشكل بسيط. واللافت ان هجوم الحريري استهدف ايران وتدخلها في ​الخليج​، حتى عندما لام حزب الله بالتدخل في شؤون ​الدول العربية​، وجّه اصابع الاتهام الى ايران. ولكن النافذة التي تركها الحريري مفتوحة مع الحزب، تمثلت باعلانه صراحة رداً على سؤال انه يصدق الامين العام لحزب الله عندما يقول ان لا مقاتلين للحزب في اليمن، في تناقض واضح لاتهامه بالتدخل في الدول المجاورة، لان المساعدة اللوجستية والسياسية والاعلامية لا يمكن ان تؤدي الى هذه الحرب الدبلوماسية والاعلامية التي قادتها السعودية على حزب الله، ولا تزال، متهمة اياه بالتواجد العسكري في اليمن وغيرها من الدول العربية.

وضمّ الحريري صوته الى صوت رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، حين شدد على ان سلاح حزب الله شأن اقليمي لا يمكن حلّه في ​لبنان​ فقط، بل يأتي ضمن صورة اشمل تستوجب دخول دول فاعلة وكبرى على الخط. وهذا التأكيد يعني ان ملف سلاح حزب الله ليس على اي طاولة للبحث، وان عودة العجلة الحكومية الى الدوران غير مرتبطة بتاتاً بهذا السلاح، ليضع بذلك حداً لكل من يربط عودته عن الاستقالة او عودة الحياة السياسية الى طبيعتها في لبنان، بنزع سلاح حزب الله.

على الصعيد الداخلي ايضاً، كان من المهم التوقف عند اعلان الحريري رغبة مخفية في حصول تغيير حكومي، وبالتحديد في اسماء معيّنة قد تغيب عن ​مجلس الوزراء​ لصالح اسماء اخرى سيبحث بها مع رئيس الجمهورية. وهذا الكلام ان دل على شيء، فعلى تأكيد الرغبة بالبقاء في ​رئاسة الحكومة​، اضافة الى عدم قبول ما حصل من مواقف لوزراء او لمن يحسبون عليهم، خلال الازمة الحكومية الاخيرة، وان السعي الى التبديل هو لقطع الطريق امام كل من يرغب في تكرار الرهان على استبعاد الحريري من السلطة، او العمل ضده. وهذا الامر من شأنه ان يخلق جبهة متينة جداً بينه ورئيس الجمهورية، كفيلة بكسر اي محور للمعارضة داخل الحكومة.

كلام كثير قاله الحريري دون ان يتفوّه به، فأبقى ابواب الحلول مفتوحة مع الجميع، واغلق في المقابل ابواباً اخرى حاول البعض ان يفتحها ليُخرجوه منها، ولكن لم تجر الرياح بما تشته سفنهم.