من أزمة سياسية إلى أزمة سياسية أخرى، ينتقل ​لبنان​ بصُعوبة وحذر، والأزمة التي يُعاني منها منذ نحو شهر هي الأخطر منذ أن جرى طيّ صفحة ​الفراغ الرئاسي​ عبر التسوية المعروفة التي أوصلت العماد ​ميشال عون​ إلى منصب الرئاسة وأعادت رئيس "تيّار المُستقبل" رئيسًا للحكومة. لكن وبعيدًا عن عمليّات شدّ الحبال، محليًا وإقليميًا، مع كل أزمة جديدة، هل سيتمّ تنظيم ​الإنتخابات النيابية​ في أيّار المُقبل، كما يتم تأكيده من قبل الأغلبية العُظمى من القيادات الرسميّة اللبنانيّة، أم سيكون الناخب اللبناني أمام خيبة "ديمقراطيّة" جديدة بحجّة خطورة الوضع؟.

المجلس النيابي​ الحالي إستفاد من تمديد لولايته لثلاث مرّات ولفترات زمنيّة مُختلفة، الأمر الذي أضاف أربع سنوات وأحد عشر شهرًا على ولايته التي تتكوّن عادة من أربع سنوات فقط، على الرغم من المواقف المبدئيّة الرافضة للتمديد عُمومًا، وعلى الرغم من بعض الإعتراضات الميدانية والشكليّة من وقت لآخر. وبالتالي لا يُمكن الركون لهذه المواقف للجزم بحُصول الإنتخابات على الإطلاق. وبالنسبة إلى الإجراءات اللوجستيّة التي تسبق الإنتخابات عادة فهي مُجمّدة حتى هذه اللحظة، مع التذكير بأنّ التمديد الثالث للمجلس النيابي حتى 21 أيّار 2018، كان قد تمّ بحجّة "تمكين الحُكومة من إتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق الأحكام والإجراءات الجديدة للإنتخابات النيابيّة المنصوص عنها في القانون، ولتعريف الناخب على نظام الإقتراع النسبي المُستحدث"، بحسب ما ورد في المادة 41 من القانون الإنتخابي الجديد والخاصة بموعد الإنتخابات. ولمّا كان القانون المُستحدث للإنتخابات النيابية يتحدّث صراحة في المادة 41 أيضًا، عن إجراء "الإنتخابات النيابية في يوم واحد لجميع الدوائر الإنتخابية وذلك خلال الستين يومًا التي تسبق إنتهاء ولاية المجلس (...)"، فهذا يعني أنّه نظريًا يجب إجراء الإنتخابات في الفترة المُمتدة من 21 آذار حتى 20 أيّار. وبما أنّه جاء في المادة 42 الخاصة بدعوة ​الهيئات الناخبة​، "تُدعى الهيئات الناخبة بمرسوم يُنشر في الجريدة الرسميّة وتكون المهلة بين تاريخ نشر هذا المرسوم وإجتماع الهيئات الناخبة تسعين يومًا على الأقل"، فإنّه لا يختلف إثنان على أنّ الوقت صار ضاغطًا، ولو أنّه لا يزال مُتاحًا من الناحيتين الدُستوريّة والقانونية.

لكن في الوقت عينه، ماذا عن النقاشات بشأن خيارات كل من إعتماد "البطاقة المُمغنطة" الخاصة بالإنتخابات أو بطاقة الهويّة "البيومترية"، وإعتماد مكان السكن أم مكان القيد للتصويت، وإعتماد مبدأ التسجيل المُسبق أو عدمه، إلى ما هناك من خيارات كان النقاش صاخبًا بشأنها، وكان التمديد الثالث للمجلس النيابي قد تمّ بحجّتها؟ّ! وماذا عن دورات التدريب الخاصة بكل من القُضاة والمُوظّفين الذين سيتولّون الإشراف مُباشرة على عمليّات الإقتراع والفرز، وعن حملات توعية الناخبين الذين سيقترعون للمرّة الأولى في ​تاريخ لبنان​ وفق مبدأ "التصويت النسبي" وليس "التصويت الأكثري"، مع وُجود لوائح مُقفلة لا يُمكن إستبدال أي إسم ضمنها كما في السابق، ومع إمكان الإستفادة من مبدأ "التفضيل"؟!

وعلى الرغم من أنّ الأزمة السياسيّة الحالية هي مُهمّة وخطيرة، فإنّ لا شيء يُبرّر توقف إجتماعات اللجنة الوزارية المُكلّفة مُتابعة تنفيذ ​قانون الإنتخابات​، بعد المُماطلة غير المُبرّرة في أعمالها وفي ضوء سلسلة من عمليّات التأجيل لإجتماعاتها، علما أنّ الخلافات بين أعضائها كانت هي الطاغية قبل توقّف الإجتماعات، وعودة اللجنة إلى الإجتماع قد يعني فتح صفحة إضافيّة من عمليّات "شدّ الحبال" على البُنود الخلافيّة، وبالتالي تضييع المزيد من الوقت. وبالتالي، كل الترجيحات الحاليّة تتحدّث عن المُضيّ قُدمًا بالإنتخابات من دون أيّ إصلاحات، حيث لا تصويت إلكتروني ولا بطاقات مُمنغطة ولا بيومترية، ولا تصويت من أماكن السكن ولا من يحزنون!

ولا شكّ أنّ "​حزب الله​" يعتبر-شأنه شأن القوى المُنضوية تحت جناحيه وتلك المُتحالفة معه أيضًا، أنّ الوقت مناسب تمامًا لخوض الإنتخابات في أقرب فرصة مُمكنة، لإعتبارات محليّة وإقليميّة تصبّ في مصلحته، وهذا عامل ضاغط نحو إتمام الإنتخابات في موعدها. وليس بسرّ أنّ كلاً من "الحزب" و"التيار الوطني الحُرّ" يُحاولان جرّ "تيار المُستقبل" لتبنّي خيار الإنتخابات في موعدها، وحتى قبل ذلك إن أتاحت القوانين المرعية ذلك، عبر إغرائه بتحالفات مُحتملة معه حينًا، وعبر القول بأنّ مُناصري "المُستقبل" قالوا كلمتهم إلى جانبه بعد عودته إلى لبنان حينًا آخر.

وفي الختام، وإذا كان صحيحًا أنّه من غير المقبول على الإطلاق تأجيل موعد الإنتخابات النيابيّة مرّة جديدة، فإنّ الأصحّ أنّ على السُلطة التنفيذيّة المُباشرة فورًا ومن دون أيّ تأخير بالإجراءات الدستوريّة واللوجستيّة الخاصة بهذه الإنتخابات، ليتمّ الإنطلاق جديًا بالتحضيرات السياسية والشعبيّة لعمليّات الإقتراع. وإذا كان صحيحًا أنّ قوى "8 آذار" في أعلى جُهوزيّة لخوض الإنتخابات، فإنّ على "تيّار المُستقبل" أن يُدرك أنّ تخبّط مواقف رئيسه السياسيّة، و"نيرانه الصديقة" على "القوات" تارة وعلى "الكتائب" حينًا آخر وعلى "مُستقبليّين" سابقين في بعض الأحيان، جعل قوى "​14 آذار​" السابقة في أدنى مُستويات الجُهوزيّة لخوض الإنتخابات النيابيّة، ما يُنذر بتبدّل جذري في الخريطة السياسيّة الداخليّة عقب إجراء الإنتخابات، ما لم يُسارع "المُستقبل" إلى إعادة رصّ الصُفوف حول خطاب سياسي واضح وثابت، إلا إذا كان ما يتمّ إشاعته عمدًا عن تحالف خُماسي يضمّه إلى أركان قوى "8 آذار" و"الوطني الحُرّ" صحيحا!.