في وقت توقفت فيه الدبلوماسية الشرقية عند التبدلات الاخيرة في المواقف الغربية التي تدرجت من حدة لافتة إلى ليونة نسبية مترافقة مع خفض لمنسوب التهديدات بقصف سوريا، نقل دبلوماسي شرقي عن خارجية بلاده معلومات تشير إلى إمكانية نجاح الاتصالات السرية بين واشنطن من جهة وموسكو من جهة ثانية في طيّ صفحة الحلول العسكرية بعد أن أبلغت روسيا الخارجية الأميركية أنّها قد تقف عاجزة عن فرملة الردود السورية والايرانية على أيّ اعتداء يطاول الاراضي السورية، خصوصا أنّ سوريا لم تعد تملك ما تخسره بعد حرب مدمرة شنت عليها بمشاركة عشرات الدول الغربية والاقليمية والعربية، وبالتالي فإنها لا تمانع ممارسة سياسة الرقص على حافة الهاوية، وهي لعبة يتقنها النظام السوري ويلجأ اليها منذ عقود طويلة حتى تحول إلى واحد من مؤسسي هذه المدرسة السياسية المعروفة، في حين أنّ ​إيران​ التي دخلت نادي الدول النووية غير راغبة بالرضوخ الى سياسات حلفاء واشنطن في الخليج حتى لو كلفها ذلك الكثير، لاسيما بعد أن نجحت في استثمار الانسحاب الاميركي من العراق إلى أبعد الحدود وفرضت سيطرة سياسية وعسكرية على مضيق هرمز الذي يشكل الممر الالزامي لحاملات النفط الاميركية والغربية.

ولعلّ ما يعزز هذا الاعتقاد هو ما كشفه الدبلوماسي عينه عن اتصالات وعروض حملها كل من سلطان عمان قابوس بن سعيد، والمبعوث الاممي جيفري فيلتمان إلى القيادة الايرانية لم تأخذ بها الاخيرة باعتبارها مفخخة وغير صالحة للبحث. وتشير المعلومات في هذا السياق إلى أنّ سلطان عمان نقل إلى إيران عرضا ممهورا بختم السعودية وموافقة ضمنية اميركية عنوانه الابرز تخلي طهران عن دعم سوريا في مقابل تنازلات تقدمها المملكة في البحرين وتتضمن اصلاحات سياسية تعطي المعارضين بعضا من المطالب القابلة للبحث، غير ان القيادة الايرانية تصرفت مع السلطان المعتدل بحسب وصف الدبلوماسي بدبلوماسية فهم من خلالها ان العرض مرفوض من اساسه وان التخلي عن سوريا ليس في وارد البحث وبالتالي فان المحادثات الرسمية اقتصرت على البحث في العلاقات بين الدولتين من دون نتائج ملموسة. أما فيلتمان، فقد نقل إلى إيران وفق هذه المعلومات عرضا ثانيا يحمل عنوان طيّ الملف النووي والتوافق على دور ايراني في الخليج العربي لقاء غض النظر عن قصف اميركي لبعض الاهداف التي لا تؤسس الى اسقاط النظام بل تقليم اظافره ودفعه الى القبول بالحل السياسي من خلال الجلوس الى طاولة جنيف 2 على ان تعقد بين شهري تشرين الاول وتشرين الثاني من العام الجاري على ابعد حدود. غير أنّ الرد الايراني، وفقا للمصادر، لم يكن أقل حدة من الرد الروسي على العرض السعودي، اي رفض الحلول المجتزأة والاستعاضة عنها بسلة واحدة تشمل مستقبل الخليج ودور الولايات المتحدة وروسيا وايران لاسقاط أحادية القرار الاميركي في ادارة العالم والتي لم تجلب للعالمين العربي والاسلامي سوى الدمار الممتد من العراق الى ليبيا وتونس وافغانستان فضلا عن ضمانات لعبور آمن للغاز الروسي والنفط الايراني في مقابل عبور آمن لحاملات النفط الغربية، وذلك في اشارة واضحة الى ضرورة الاخذ بالحسبان الوضع الذي يمكن ان ينشأ في مضيق هرمز.

ويبدو بحسب الدبلوماسي أنّ هذه العوامل الميدانية والواقعية دفعت بحلفاء الولايات المتحدة الى التراجع من خلال اعتماد سياسة الانسحاب التكتيكي، كما دفعت بالرئيس باراك اوباما الى خفض سقف الاهداف المعلنة والمضمرة على حد سواء وذلك بانتظار انقشاع الرؤية في ظل موازين بدأت تتعادل اي خفض لهجة الغرب في مقابل استمرار التصعيد من قبل دول المحور المقابل.