حالت العناية الإلهية ويقظة الأجهزة الأمنية دون وقوع مجزرة كانت تحضّر لها خلية إرهابية في قلب الضاحية الجنوبية. لكن الخطر حتمي ويتهدّد كلّ لبنان بكلّ مكوّناته وطوائفه، كما يتهدّد منطقتنا بأسرها التي تتعرّض لأخطر عملية تقسيم منذ سايكس ـ بيكو، فالإرهاب الذي نسمع خطواته ونرى آياته الكبرى إرهاب دموي يمارس الفظائع والتوحش والبربرية وكلّ ذلك باسم الإسلام الذي يحمّله هؤلاء المجرمون كلّ رذيلة وجريرة. فيا ويلهم يا ويلهم من يوم حساب عظيم في الدنيا قبل الآخرة!

وإذا أردنا أن نتحدث عن مستقبل باعتباره تطلعاً ومطلباً لكلّ إنسان يبحث عن الأمن والاستقرار والسعادة، فأيّ مستقبل للبنان وللمنطقة في ظلّ جماعات تقطع رؤوس الرضع كما جرى في قطاع طوزخورماتو في محافظة كركوك، وأيّ بلاد ستنعم بالأمن والاستقرار وهذه الجماعات ترفع المقاصل وأعواد المشانق وتقطع الكهرباء والماء عن كلّ من يخالفها الرأي.

وعلى أيّ حال فإنّ من يقف وراء هذه الجماعات يريدون أن تصل المنطقة ومن ضمنها لبنان إلى لحظة جنون قصوى. لحظة تجفل فيها العين وترتعد لها الفرائص وتذهل كلّ مرضعة عما أرضعت! ومن يظنّ أنّ العالم الغربي المنافق سيعيرنا انتباهه فهو واهم. هذا العالم هو شريك في ما يحدث لنا وهو من يساعد على أن تضطرم نيران الفتنة والخلافات والتناقضات بين شعوب العالمين العربي والإسلامي إلى مرحلة تصبح هويتنا كالحة وحضارتنا ملطخة بهباب الانقسامات.

أيام تمرّ وجوع العرب والمسلمين إلى قصعة وعي يزداد، ويتضاعف عطشهم إلى شربة من ماء الأخوة. ما عاد بالإمكان إخفاء عيوبنا وفقرنا وتخلفنا، فبدل أن نُقدّم نموذجاً للعالم الذي فقد إنسانيته بمزيد من القيَم والمفاهيم والنماذج التعايشية التصالحية، ها نحن نتقصّد العكس. ملوثون بسخام الفرقة حتى وصلت شعوب العالمين العربي والإسلامي إلى حالة من الاكتئاب والتبرّم والتبلّد الذي نحتاج معه إلى منقذ ومخلص يُطهّر الأرض من كلّ فساد، وينظف القلوب والعقول من كلّ رين وخطل.

إنّ لبنان اليوم يعيش على حافة الهاوية، يكتوي بنار الإرهاب الذي يجد من يؤمّن له الحاضنة والدعم والبيئة، ومن يمثله فكراً في مؤسسات الدولة ومن يبرّر ويسوّغ له كلّ هذه الجرائم الشنيعة باعتبارها ردّ فعل على الظلم والتهميش. فأيّ ظلم وأيّ تهميش يبرّر لهؤلاء قتل الناس الأبرياء في المقاهي والمطاعم والشوارع؟

فهل نتوحّد كلبنانيين؟ وهل نسارع إلى تجاوز الخلافات؟ قبل أن نغرق في بحر الفوضى والدماء الداعشية. هل نعمل بجدّ لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ونتفق على رئيس للحكومة المقبلة ونتفاهم على قانون سليم وعادل للانتخابات النيابية لُتجرى في أجواء من الديمقراطية والنزاهة؟ هل تسارع الدولة بكلّ أركانها إلى إنصاف المواطنين من عمال وموظفين فتمنحهم الحقوق المشروعة حتى لا يبقى الأمن الاجتماعي ثقباً واسعاً يدخله من يريد الإضرار بالوطن؟

إنّ وجود لبنان ومستقبله مرهون بوحدة أبنائه بحيث يصبح السني شيعياً والشيعي سنياً والمسلم مسيحياً والمسيحي مسلماً كما قال الرئيس بري أخيراً، وإلا سيكون أطلالاً وبؤساً وأشلاء كما تنبّأت صحيفة «عكاظ» السعودية!