حسين عطوي

حتى كتابة هذه السطور، فقد بات واضحاً أنه بعد ما يزيد على اسبوعين من بدء العدوان الصهيوني،على قطاع غزة بهدف تدمير قوة المقاومة الفلسطينية وإخضاع الشعب الفلسطيني، وجدت حكومة العدو برئاسة بنيامين نتانياهو نفسها غارقة في مستنقع غزة، وجيشها، وخصوصاً قوات النخبة فيه، يمنى بأفدح الخسائر التي ذكرته بخسائره في جنوب لبنان في بنت جبيل ومارون الراس، ولذلك بدأت مسيرة البحث عن طوق نجاة للخروج من الاستمرار في الغرق أكثر في بحر الاستنزاف الذي غرق فيه جنودها، ولم تتوقع أن تبلغ الكلفة البشرية لحربها هذا المستوى من الأيام الأولى، عدا عن الكلفة الاقتصادية.

فالجيش «الإسرائيلي» تكبّد حتى تاريخه 30 قتيلاً بحسب اعترافاته، وما يناهز الـ110 جرحى إلى جانب أسر جندي. في حين دمّرت له عشرات الدبابات والآليات المدرعة. كذلك فإن «إسرائيل» تكبّدت خسائر اقتصادية كبيرة نتيجة الشلل في حركة الاقتصاد والسياحة ووقف حركة الملاحة في مطار بن غوريون وعزل الكيان الإسرائيلي جواً، وبلغت الخسائر المنظورة مئات الملايين من الدولارات.

هذه الخسائر الكبيرة التي تزداد مع كل يوم يستمر فيه العدوان على قطاع غزة، تحصل من دون أن ينجح جيش الاحتلال، أقوى جيش في المنطقة, في تحقيق نجاحات في الميدان يعتد بها، فهو يعاني صعوبة كبيرة في التقدم والسيطرة على حي الشجاعية نتيجة بسالة رجال المقاومة في التصدّي له وتكبيده الخسائر الكبيرة، حتى باتت الشجاعية مثالاً مشابهاً لبلدة بنت جبيل في جنوب لبنان، لناحية البطولات التي سطّرها رجال المقاومة وإذلال الجيش «الإسرائيلي«، وخصوصاً لواء النخبة فيه (غولاني) الذي قتل وجرح كبار قادته، في حين شوهد جنوده غارقين في البكاء في مشهد يعبّر عن انهيار معنوياتهم، وقد روى جندي «إسرائيلي» المواجهات القاسية التي حصلت مع رجال المقاومة وكيف اضطر جنود العدو الى الزحف في الشارع لسحب اشلاء قتلى الجنود الصهاينة.

هذا المشهد العسكري عكس فشل أهداف العدوان وانكسار الهجوم الصهيوني البري بعد فشل الهجوم الجوي. وبالتالي إخفاقه في تحقيق أي مكسب في ميدان المعركة البرية، دفعه إلى ارتكاب مزيد من المجازر الوحشية بحق الأطفال والنساء والشيوخ في مؤشر واضح على الإفلاس الذي وصل إليه، فالمقاومون يصطادون الجنود الصهاينة وقادتهم يردون بقتل المدنيين، فيما العدو عاجز عن النيل من رجال المقاومة الذين أظهروا باعتراف الجنرالات الصهاينة مقدرة وكفاءة عاليتين على القتال، والاستمرار في المواجهة على رغم القصف الكثيف والمتواصل من الجو والبر الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي.

وقد اعتدنا أنه عندما يبدأ العدو بارتكاب المجازر فهذا يعني أنه غير قادر على تحقيق النصر وبات عشية الهزيمة في المعركة يسعى إلى الانتقام وزيادة معاناة الشعب الفلسطيني ومنعه من الشعور بالانتصار كما فعل في حرب تموز، عندما بدأت تلوح بالأفق مؤشرات انتصار المقاومة، حيث سارع العدو إلى ارتكاب مجازره الوحشية في قانا 2 ومروحين والضاحية الجنوبية التي قصفها بأطنان من القنابل الثقيلة المدمرة.

غير أن قادة كيان العدو باتوا اليوم يستهولون الهزيمة أمام المقاومة في غزة لما لها من انعكاسات تهدد مستقبل وجود الكيان الصهيوني برمته، وهو ما حذر منه شمعون بيريز. وبات مشهد المعركة عسكرياً في اليوم الخامس عشر يتسم بالآتي:

ـ المقاومة تفاجئ العدو كل يوم بهجمات جديدة وتوقع في صفوفه مزيداً من الخسائر.

ـ العدو يحصي خسائره ويعترف بقتلى ضباطه وجنوده بالتدريج.

ـ المقاومة تسبقه بإعلان أسر جندي، فيما هو ينكر ثم يعترف بفقدان جندي في أرض المعركة.

ـ عجز الجيش «الإسرائيلي» عن السيطرة على حي الشجاعية على رغم مرور أربعة أيام على هجومه.

أما المشهد السياسي فيؤشر إلى اقتراب حكومة العدو من التسليم بالهزيمة، وهي تبحث عن مخرج يحفظ لها ماء الوجه وعمّن يقدم لها طوق النجاة ليساعدها على النزول من على الشجرة والسقوف العالية التي أعلنتها كأهداف لعدوانها والتي لم تحقق الحد الأدنى ولا الحد الأعلى منها. وتجلّى المشهد السياسي في الآتي:

ـ مسارعة واشنطن عبر رئيس دبلوماسيتها جون كيري لتقديم طوق النجاة لـ«إسرائيل» عبر العمل على التوصّل سريعاً لاتفاق لوقف النار. اعتراف «إسرائيل» بتزايد الضغوط الدولية لوقف النار. في حين أن الصحافة «الإسرائيلية» تتحدث عن أن نتنياهو غير قادر على أخذ قرار القبول بوقف النار لأنه لا يملك غالبية داخل مجلس الوزراء المصغّر، حيث يواجه معارضة قوية من الوزيرين نفتالي بنت وافغدور ليبرمان. إعلان سياسيين «إسرائيليين» بأن مهمة تدمير الأنفاق الهجومية شارفت على نهايتها، فيما يبدو تمهيداً لإعلان «إسرائيل» انتهاء الهجوم البري والقبول باتفاق وقف النار.

ـ الحديث في الصحافة «الإسرائيلية» عن استعداد «إسرائيل» لقبول فتح معبر رفح شرط أن يكون تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وحل مشكلة تحويل رواتب الموظفين في قطاع غزة.

تحقيق أهدافه، وحكومة نتنياهو تسير في الطريق للتسليم بانكسار جيشها أمام المقاومة وتغطية هذا الفشل بالقول إنها دمّرت الأنفاق الهجومية، وأميركا تسارع إلى تقديم قارب النجاة لها كما فعلت في حرب تموز 2006، عندما استنجدت حكومة ايهود أولمرت بالإدارة الأميركية.

على أن محاولة كيري ايجاد مخرح على حساب المقاومة يحفظ ماء وجه العدو وينقذه من الثمن أيضاً بثبات موقف قيادة المقاومة برفض أي هدنة مجانية والاصرار على عدم قبول وقف النار قبل تسليم حكومة نتنياهو بشروطها المتمثلة بفك الحصار الكامل عن غزة واطلاق سراح الأسرى الذين اعتقلوا مؤخراً في الضفة الغربية ولدفعة الرابعة من الأسرى بموجب الاتفاق مع السلطة الفلسطينية، وهو ما بات أمراً مسلماً به بعد أسرت المقاومة جندي صهيوني في الشجاعية واعترف العدو بفقدانه، ليتأكد بذلك أنه بالمقاومة والصمود تتحقق المطالب ويحرر الأسرى وتستعاد الحقوق وتحرر الأرض تحفظ الكرامة ويصنع المجد.