مُحقٌّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حين يدقُّ ناقوس الخطر على لبنان من الأوضاع المترهِّلة، فليس هناك خطرٌ واحد فحسب ليدقَّ ناقوسَهُ، بل هناك على الأقل عشرة أخطار، ويحتاج بذلك إلى عشرة نواقيس ليصل صوتُها إلى مَن يعنيهم الأمر.

هناك أولاً، خطرُ عدم إنتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية، ووجه الخطورة في هذا الموضوع أنَّه بسبب شغور موقع الرئاسة وغياب شخص الرئيس، فإنَّ البلد مشلولٌ والسلطة التنفيذية في تعثُّرٍ دائم. وأحد أوجه هذا التعثر، أنَّ كلَّ قرارٍ في مجلس الوزراء يحتاج ليُصبح نافذاً إلى موافقة جميع أعضاء المجلس، فإذا رفض أحد الوزراء هذا القرار، لسبب أو من دون سبب، فإنَّ القرار يسقط، حتّى ولو كان تعيين عامل تنظيفات، كما كاد أن يحصل في إحدى جلسات مجلس الوزراء الأخيرة.

بسبب هذا الأمر غير المسبوق، يدقُّ البطريرك الراعي ناقوس الخطر الأول، فيطالب الكتل السياسية والنواب بالكفِّ عن مخالفة الدستور في عدم إنتخاب رئيسٍ للجمهورية، وعدم انعقاد المجلس النيابيّ في حالةٍ دائمة كهيئةٍ إنتخابية، وعن المخاطرة في مصير لبنان وتفكيك أوصاله. فإنتخابُ الرئيس يعيد للمجلس النيابيّ حقَّه في التشريع، ويُسهِّلُ عملَ الحكومة، التي لا يمكن أن تحلَّ محلَّ شخص الرئيس وأن تمارس جميع صلاحياته. وحده رئيس الجمهورية يحفظُ كرامةَ الدولة ووحدتَها، وانتظامَ الحياة في مؤسساتها. وينهي البطريرك الراعي تحذيرَهُ من الخطر الأول بالقول:

إنَّ حرمان لبنان من رئيس منذ ثلاثة أشهر، طعنةٌ قاتلة في صميم الوطن.

الخطرُ الثاني الذي يدقُّ البطريرك الراعي ناقوسَهُ، ينبع من الخطر الأول ومن آثاره، وهو موقع لبنان وحضوره في المحافل الدولية وفي مقدَّمها الأمم المتحدة، وفي هذا الصدد يقول:

مجلسُ النواب لا يمكنه أن يجتمع ويُشرِّع، لأنّ الدستور يؤكد أنّه في حال شغور كرسي الرئاسة، يصبح المجلس النيابي هيئةً ناخبة، وفي حال إنعقادٍ دائمٍ حتّى إنتخاب رئيسٍ للجمهورية، وإذا حاول التشريع يكون بذلك مخالفاً للدستور. يتكلّمون عن الإنتخابات النيابية فمن يوقّع عن الرئيس بعد الإنتخابات؟

وفي نهاية أيلول هناك إجتماع للأمم المتحدة، وهناك مركز لرئيس جمهورية لبنان. فمن سيجلس على كرسيه، رئيس الحكومة أم الحكومة مجتمعة؟

الخطر الثالث الذي دقّ ناقوسه البطريرك، هو هذا التمهُّل القاتل في إنعقاد جلسات مجلس النواب لإنتخاب رئيس. إنَّ الشغور في موقع الرئاسة يقترب من أن يبلغ الثلاثة أشهر، فهل يُعقَل ألا تكون قد إنعقدت أكثر من عشر جلسات لإنتخاب رئيس، وألا تكون قد وُجِّهَت أكثر من عشر دعواتٍ لعقد الجلسات؟

أين تطبيقُ المادة الدستورية التي تقول إنَّ المجلس في حال إنعقاد دائم؟

كان يُفتَرض أن تكون الجلسات قد قاربت عدد أيام الشغور، وإلا يكون الجميعُ مشاركاً في إطالة أمد هذا الشغور.

لقد دخل الجميعُ في الفوضى، والخطر الرابع هو أنَّ الخروج من هذه الفوضى بات عملية شبه مستحيلة ما لم يتمَّ إنتخابُ رئيس. لقد تجاوز لبنان قطوع عرسال، مع ما سببه من خسائر فادحة، ولكن ماذا لو تكرر، لا سمح الله، مثل هذا القطوع في بلدة لبنانية ثانية، فكيف يمكن تجاوزه؟

هل يتم ذلك بقرارٍ من أربعةٍ وعشرين وزيراً؟

لقد رأى الجميع وعاين كيف أنَّ الحكومة تعاطت بإرباكٍ وإرتباكٍ مع أحداث عرسال، وهذا كلُّه متأتٍّ من عدم وجود رئيس جمهورية، فإلى متى الإنتظار في هذه الحال؟

هل إلى حين وقوع أحداثٍ مماثلة في منطقةٍ أخرى؟

هذه عيِّنةٌ من الأخطار المُحدِقة، أما آن الأوان للبدء بإزالة ألغامها؟

وإذا لم تبدأ العمليةُ من مكان ما فإنَّ الخطرَ سيتفشّى وسيتضاعف، ومن علائمه تفشّي داعش وتمدّده.