لم ترد تعليقات إسرائيلية حول فشل اللبنانيين في انتخاب رئيس لجمهوريتهم، إلا نادراً وبصورة غير معمقة. لدى تل أبيب ومسؤوليها وخبرائها، ما هو أهم من هذه المسألة، وخصوصاً أن الرهانات الداخلية في لبنان لم تجدِ نفعاً في ضرب حزب الله، العدو الحقيقي لإسرائيل. مع ذلك، تبقى المقاربة الإسرائيلية للشأن الداخلي اللبناني، ذات مغزى ودلالة.

موقع قناة (24) الإسرائيلي، نشر مقالة تحليلية للخبير في الشؤون العربية واللبنانية، يؤاف شتيرن، هدد فيها لبنان بأسلوب جديد، وطالب اللبنانيين بضرورة العمل والانشغال بمسائل أكثر أهمية، من انتخاب رئيس للجمهورية لن يكون قادراً على مواجهة حزب الله.

وأشار الخبير الإسرائيلي إلى أن الأفرقاء السياسيين في لبنان أخفقوا في التفاهم على من يتولى رئاسة هذا البلد. وهذا الإخفاق متأتّ من التركيبة الديموغرافية الطائفية بعدما بات المسيحيون غير قادرين وحدهم على انتخاب الرئيس، الذي يجب أن يكون مسيحياً مارونياً، إذ إن الهجرة الكثيفة والنسبة المتدنية للإنجاب أضرّتا بوجود المسيحيين في لبنان وبقوتهم، وباتوا بحاجة إلى بقية الطوائف لإنجاز هذا الاستحقاق.

الأهم لمستقبل

لبنان ما يجري حالياً في غزة لا الانشغال بهوية الرئيس المقبل

مع ذلك، فإن الشلل السياسي في لبنان لم يمنع المشاورات واللقاءات التي لم تتوقف بين القادة السياسيين من مختلف الطوائف، لكن بلا توافق حتى الآن حول رئيس للجمهورية. إضافة إلى ذلك، بدأ اللبنانيون يتداولون في الآونة الأخيرة حول الانتخابات النيابية، وجدوى وإمكانية إجرائها.

يؤكد الخبير الإسرائيلي أن كل هذه الطاقة الهائلة المبذولة في لبنان لا طائل منها، إذ إن صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة وهي رمزية في غالبيتها. وفي حال شغور هذا المنصب، يمكن لرئيس الحكومة أن يتولى مهماته، والأهم من ذلك، أن القرارات الهامة في لبنان يتم اتخاذها بعيداً عن مراكز السلطة الرسمية. وبعد هذا الوصف، ينتقل الكاتب إلى ما يهم إسرائيل، فيشير إلى أن لبنان، مع استثناء سنوات الحرب الأهلية، يتمتع بدرجة عالية من الحرية السياسية، وبإمكان اللبنانيين أن يعبروا عن آرائهم بحرية كبيرة، كما أن لكل تيار سياسي وسيلة إعلامية خاصة به، إضافة إلى أن الأمن الشخصي مصان. كما أن لبنان يتمتع بغنى ثقافي ومتنوع أكثر من أي بلد عربي آخر، إلا أن «أمراً واحداً فقط يحول دون أن يتحول لبنان إلى بلد ديموقراطي متطور، هو عدم احتكار الدولة لاستخدام القوة» العسكرية.

على مدار سنوات ماضية، خضعت أجزاء من لبنان لسيطرة الدولتين المجاورتين: إسرائيل، وفي الأكثر سوريا. وفي عدة مناسبات لجأت التيارات السياسية ــــ الطائفية إلى استخدام القوة ضد بعضها البعض، إلا أن الجهة الوحيدة التي عملت ضد جهات في الخارج، ضد إسرائيل وضد معارضي النظام السوري، كان حزب الله. وأخيراً، ناصر أيضاً الجيش اللبناني في تصديه لجهات سنية متطرفة تغلغلت إلى لبنان، في بلدة عرسال. يضاف إلى ذلك، بحسب الخبير الإسرائيلي، أنشأ حزب الله منظومة اقتصادية منفصلة عن الدولة، ولها استثمارات في العقارات والاتصالات، وكذلك عزز قوته العسكرية بصورة غير مسبوقة، وكل ذلك داخل أماكن مأهولة بالسكان في كل أرجاء لبنان. كما أن فصائل فلسطينية مختلفة، تعمل برعاية من حزب الله، على قصف الأراضي الإسرائيلية بين الحين والآخر، كما حدث بالأمس القريب، انطلاقاً من جنوب لبنان.

من هنا، يصل الكاتب إلى الخلاصة والهدف من مقالته، بدعوة اللبنانيين إلى مواجهة حزب الله. ويقول: الأهم لمستقبل لبنان، أن لا يجري الانشغال بمن سيكون الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية، بل بما يجري حالياً في غزة، وكيف تواجه إسرائيل تكتيكات تنظيم ينشط داخل مناطق مأهولة. ما يعني أن على اللبنانيين أن لا يترقبوا بفارغ الصبر هذا الاستحقاق، لأن هوية الرئيس المقبل لن تغيّر من الواقع القائم شيئاً.