بعد أكثر من ثلاث سنوات ونُصف السَنة من إدعاء حياد زائف إزاء الأزمة السورية، يَنزلق لبنان بوتيرة تدريجيّة نحو التورّط بشكل أكبر وأخطر في الحرب المفتوحة في سوريا، والتي تغيّرت وتوسّعت هويّة المُتورّطين فيها، مع ما يحمله كل طرف من هؤلاء من مصالح خاصة ومن أهداف مُغَايرة وحتى مُناقضة للأطراف الأخرى المُتورّطة. وخطر التورّط اللبناني المُتَصَاعد نَاجم من محاولات حثيثة في هذا السياق، من قبل كل من النظام السوري ومعارضيه.

بالنسبة إلى المعارضة السورية فهي تُحاول منذ فترة لا بأس بها، دفع الوضع الداخلي في لبنان إلى الإنفجار لأهداف عدّة، أبرزها:

أوّلاً: تخفيف الضغط العسكري المُمارس عليها من قبل "حزب الله" نتيجة إضطراره عندها إلى الإنكفاء إلى الداخل اللبناني لحماية مناطق إنتشاره وبيئته الحاضنة، وتلهّي مُقاتليه بمعارك جانبيّة بعيداً عن الجبهات السورية.

ثانياً: تخفيف الضغط عنها على كامل المناطق الحدودية نتيجة إضطرار ​الجيش اللبناني​ بدوره إلى الإنكفاء إلى الداخل، لمحاولة ضبط الأوضاع وإعادة الإستقرار، ما يُسهّل عمليّات الدعم اللوجستية للمعارضة عبر الحدود اللبنانية–السورية في أكثر من موقع ومنطقة.

ثالثاً: محاولة تعميم الصراع الإقليمي الذي يحمل بجزء منه طابعاً مذهبياً على الداخل اللبناني، لإستمالة مُقاتلين جُدد من البيئة السنّية اللبنانية إلى جانب المُعارضة السورية، ومحاولة توسيع جغرافيا البيئة الحاضنة والمؤيّدة للمعارضة بحكم اللعب على الوتر الديني وتكثيف دعوات الإنشقاق عن السلك العسكري والتسويق لنظريّة الإضطهاد المَذهبيّ.

رابعاً: مُحاولة فرض السيطرة على مساحات جغرافية واسعة في مناطق لبنانية مختلفة، خاصة في طرابلس وعكّار، بمساعدة من خلايا مسلّحة موالية للمعارضة السورية ومُنتشرة في مخيّمات اللاجئين، الأمر الذي سيُشكّل في حال نجاحه ولو جزئياً، خلفيّة لوجستيّة داعمة للمعارضة في الداخل السوري.

بالنسبة إلى النظام السوري فهو ومنذ بداية أزمته في آذار من العام 2011، يُحاول توريط لبنان في حربه الداخلية لأهداف عدّة، أبرزها:

أوّلاً: جعل الجيش اللبناني بكامل عديده وعتاده مُضطراً إلى القتال ضد الجماعات السوريّة المعارضة على كامل الأراضي اللبنانية وعلى طول الحدود المُشتركة، وذلك من موقع الهجوم والمبادر، وبالتالي من دون الإكتفاء بموقع الدفاع ضد الجماعات الإرهابيّة التي تُهاجم مَواقعه.

ثانياً: ضرب قوى المعارضة السورية التي لجأت إلى لبنان، قبل إنطلاقها إلى الداخل السوري، وجعلها تتلهّى بمواجهات أمنيّة في الداخل اللبناني، بدلَ العمل على نقل الأسلحة والعتاد والمسلّحين إلى الداخل السوري.

ثالثاً: توفير المُناخ الفَوضَوي المُناسب لمقاتلي "حزب الله" للتحرّك الميداني ضدّ المعارضين السوريّين المنتشرين في الداخل اللبناني، تمهيداً لفرض السيطرة الأمنيّة على مناطق مُحدّدة تُشكّل مواقع دعم خلفي للمعارضة السورية.

رابعاً: إثبات النظريّة السوريّة القديمة التي إعتمدت منذ العام 1976 حتى ما بعد الإنسحاب السوري في العام 2005، ومَفادها أنّ اللبنانيّين عاجزون عن حُكم بلادهم بأنفسهم، وعاجزون عن فرض الأمن والإستقرار الداخلي بشكل لا يُهدّد سوريا، وذلك لإيجاد التبرير لتدخّل سلاح الجوّ السوري في العمق اللبناني عند الحاجة، ولتحريك قوى برّية أيضاً إذا إقتضى الأمر.

في الختام، وفي ظلّ إلتقاء المصالح بين النظام السوري ومعارضيه لأن يكون الوضع الداخلي اللبناني مَهزوزاً وحتى مُتفجّراً، بغض النظر عن خلفيّات وأهداف كل طرف منهما، من الضروري عدم الإستخفاف بهذه المحاولات، والعمل على إفشالها بمختلف الوسائل المُتاحة، بدءاً بنزع مُبرّراتها، وصولاً إلى ضرب نواتها... اليوم قبل الغد.