نقترب يوماً بعد يوم من المصير المحتوم للمجلس النيابي اللبناني، وهو... ​التمديد​. المفارقة الكبرى في هذا الامر ان التمديد سيحمل الرقم 2 للمجلس نفسه بعد التمديد الاول(1) الذي حصل في حزيران من العام الفائت.

ويمكن القول ان مجلس النواب اللبناني يشيخ بالفعل والقول، فأعمار غالبية نوابه تستمر في التحليق في سماء الارقام العالية، كما ان "همّة" النواب التشريعية والرقابية بدأت تعكس عمر هذا المجلس الممدد له.

وفي ظل شبح التمديد الثاني الذي بات يخيّم على مقر البرلمان، يصبح من المشروع السؤال: هل هناك من حاجة فعلية للتمديد وهل الذرائع المقدمة لذلك مقنعة ومنطقية؟

اجوبة عديدة تحضر فجأة، ولكنها ليست بالضرورة الاجوبة الشافية التي يرغب في سماعها اللبنانيون، فمعظم هؤلاء لا يرغب في ان يتم التمديد الثاني للمجلس نفسه، لجملة من الاسباب، اهمها:

-لم يقنع التمديد الاول للمجلس احداً، كما انه لم يحقق الاهداف التي وعد بها واولها وضع قانون انتخابي جديد عادل ويعكس التمثيل الحقيقي للبنانيين، ليتم اجراء انتخابات نيابية تاق اليها الجميع، او انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

-لم يعد الفراغ يخيف اللبنانيين، كما لم يعد ذريعة يمكن صرفها في السوق اللبنانية. فلقد اختبر اللبنانيون الفراغ الرئاسي مرّتين، كما ان تشكيل الحكومات خصوصاً في الفترة الاخيرة، استغرق اشهراً عدة كانت فيها الحكومة المستقيلة شاهداً على تصريف الاعمال.

اما القول بأن الفراغ النيابي مختلف، فهو حقيقة يراد بها باطل، ولعل ابرز دليل على ذلك، انتاجية مجلس النواب منذ التمديد الاول وحتى اليوم، حيث كان الحاضر الغائب ولم يقم بواجبه إن في انتخاب رئيس للجمهورية، او في اقرار التشريعات المهمة التي يحتاج اليها المواطنون ومنها سلسلة الرتب والرواتب على سبيل المثال لا الحصر.

فهل استمرار النواب بالاسم والصورة فقط يسقط الفراغ؟ وماذا عن المظلة الدولية التي "تبجّح" بالحديث عنها (ولا يزال) الكثير من السياسيين وعدد من النواب انفسهم، وشددوا على ان بقاء هذه المظلة هو الذي يضمن استقرار لبنان في المرحلة الحالية.

-لن تنجح فكرة الاعتماد على النواب المعارضين للتمديد بالتحرك لاسقاط هذا القرار، لان اقصى ما سيقومون به هو تغيّبهم عن الجلسة او الحضور دون التصويت. والجميع يعلم ان تجربة الطعن بـ"القرار التمديدي" فاشلة بكل المقاييس اذ في المرة السابقة لم ينجح المجلس الدستوري حتى في الاجتماع، فكم بالحري البت بالطعن؟

-لن يتمكن النواب القدامى-الجدد من انتخاب رئيس للجمهورية، فهم انفسهم الذين فشلوا في المرة الاولى في تحقيق هذا الهدف، وهم انفسهم سيستمرون في فشلهم في هذا الموضوع، لان الاتفاق الاقليمي-الدولي الذي يؤمّن انتخاب الرئيس لم يحن وقته بعد، وحين يحين الوقت، لن يكون مهماً هوية النواب الذين سينتخبون، لان النتيجة ستكون واحدة.

ولعل لبنان من الدول الديمقراطية الوحيدة في العالم الذي يعتبر ان اجراء انتخابات، وخصوصاً نيابية، هو "ترف" ليس في مكانه في اوقات الضيق. وهل يمكن لاحد ان يقنعنا ان مجلس النواب الحالي هو الذي يسيّر شؤون الجمهورية اللبنانية؟ خصوصاً بصيغته الحالية التي تضم نواباً يشككون بصلب اسس الدولة، ويتهجّمون على الجيش اللبناني الذي يكاد عنصر اللقاء شبه الوحيد المتبقي بين اللبنانيين (ما عدا قلّة منهم، تعارضه لاهداف وغايات معروفة).

ليست القصة ترفاً او جاهاً، انها مصير بلاد ومواطنين، فإذا سلّمنا جدلاً ان مصير لبنان لا يصنعه اللبنانيون، فهل شؤون المواطنين ايضاً لا يجب ان يشارك في حلّها اللبنانيون انفسهم؟

اختلفت الاسباب والتمديد واحد، والنتيجة واحدة: بلد يلبس ثياب الديمقراطية بينما يتوق في الاساس لخلع ملابسه واظهار عريه المغاير تماماً لما يرتديه.

(1) مدد مجلس النواب لنفسه في حزيران 2013 لمدة 17 شهراًـ وتنتهي مدة التمديد في 20 تشرين الثاني 2014. وقد حضر الجلسة 97 نائباً ايدوا جميعهم التمديد.