إذا كانت تسمية "الخلايا النائمة" لا تنطبق على مجموعة الإرهابيين شادي المولوي وأسامة منصور، على إعتبار أنهما كانا ينشطان بطريقة علنية في الأسواق الداخلية لباب التبانة، فهي تنطبق بالتأكيد على الشيخ الفار من وجه العدالة ​خالد حبلص​. ففي مقارنة أمنية بسيطة، لم يكن نشاط المولوي-منصور خافياً على أحد. فمنذ أن فُرض على القضاء إطلاق سراحه بتدخلات حكومية ووزارية ​طرابلس​ية، والمولوي يدير مكتباً لـ"جبهة النصرة" في باب التبانة.

طيلة السنوات الماضية، حفلت صفحته الفايسبوكية بالشعارات المؤيدة للجبهة، وبايع أكثر من مرة أميرها أبو محمد الجولاني، كل ذلك من دون أن يوفر ​الجيش اللبناني​ في تحريضه هذا. وكي يتوج علنية نشاطه، ظهر منذ مدة قصيرة عبر المؤسسة اللبنانية للإرسال، ومن داخل مربعهما الأمني، دعا المولوي ومنصور الى قتل عسكريي الجيش المخطوفين لدى "النصرة" وتنظيم "داعش" في جرود عرسال.

في المقابل، غابت هذه العلنية عن نشاط الشيخ حبلص في بحنين. زرته مرتين لإجراء مقابلة تلفزيونية عن قادة المحاور والمفاوضات الدائرة في حينها لإطلاق سراحهم، وفي الزيارتين، لم أشعر بأي حراك مسلح في محيط المنزل. هو منزل صغير جداً يقع على طريق فرعي من منطقة بحنين. الطريق اليه مفتوح دائماً، لا مسلحين في محيط المنزل، ولا بوابة حديدية محصنة، حتى الناطور الذي يطرح عليك سؤال "منزل من تريد؟" لم يكن موجوداً في محيط المنزل. فبعد الوصول ورنّ الجرس، يفتح الشيخ حبلص الباب شخصياً، وعند المغادرة يرافق زائره الى الشارع من دون أن يلحظ بحركته المخاوف الأمنية.

إذاً على رغم مواقفه المتشددة ونبرته العالية ضد الجيش اللبناني و"حزب الله"، كان نشاط حبلص سرياً للغاية، ومن هنا تنطلق المصادر الأمنية في تفسيرها لحركته، معتبرة أن سريتها فاجأت الجيش، وسمحت له بنصب كمين محكم لدوريته، كمين أدى وللأسف الى سقوط أكثر من شهيد بين ضابط وعسكري.

نشاط الشيخ حبلص السري كان يتركز بحسب الأمنيين على محورين: الأول مسجد هارون حيث كان يخطب بالشباب السني لتشجيعه على القتال ضد الجيش اللبناني و"حزب الله" داخل الأراضي وضد النظام السوري في جرود القلمون. والثاني مبنى قيد الإنشاء بالقرب من منزله في بحنين حيث كان يجتمع بالمقاتلين ويضع معهم الخطط المنوي تنفيذها ضد دوريات الجيش. أما اللافت في نشاط الشيخ العكاري فكان يتمثل بعدم إصطحابه عناصر من مقاتليه بهدف تأمين حمايته خلال تحركاته لذلك كان يقود سيارته بمفرده ويبعد قدر الإمكان نشاط مسلحيه عن حياته الشخصية منعاً لإثارة الشبهات الأمنية حوله.

حبلص، السري للغاية بالأمس، أصبح اليوم مكشوفاً أمنياً وجعل مخططه الإرهابي منه أحد أبرز المطلوبين، إما موقوفاً وإما قتيلاً بعد الذي فعله بدورية الجيش.