كشف الانجاز الذي حققه الجيش في طرابلس، على رغم بعض التساؤلات، جملة امور ايجابية كان ابرزها اثباته قدرته على مواجهة تنظيمات ارهابية عابرة للمدن والحدود وحسم الموقف لمصلحته بالتزامن مع دحض كل ما روّج في الشهرين الأخيرين عن اختراق هذه التنظيمات طرابلس وشوارعها والتحكم بها الى درجة احتمال تحولها قندهار اخرى او عرسال اخرى كجرح نازف في قلب ​لبنان​. ويكتسب الانجاز اهميته كونه يساهم في طي صفحة التوظيف الاعلامي والسياسي لما يعتبر اختراق داعش وسواها من التنظيمات الارهابية لبنان ويهدد نسيجه على وقع تصنيفات بين من يحارب التكفيريين ومن يدعمهم، مما يطوي بابا خلافيا مفتوحا على تصعيد متواصل منذ بضعة اشهر. من الايجابيات التي لحظتها مصادر سياسية ايضا ما تمثل في رفع "حزب الله" وتيرة دعمه الكلامي للجيش، ولو ان ذلك يبدو مفهوما اكثر في اطار مواجهة الجيش تنظيمات متطرفة يواجهها الحزب في سوريا وتشكل احد ابرز مبررات مشاركته في الحرب الى جانب النظام. وهو اعتمد الخطاب نفسه في عرسال وقبلها في صيدا. وبلغ ارتفاع نبرة هذه الوتيرة حد اعتبار النائب محمد رعد ان عدم قبول الهبة الايرانية للجيش، والتي يقال انها حاولت منافسة الهبة السعودية الاخيرة بمليار دولار للجيش، يشكل طعنا للسيادة الوطنية، فيما لا يتوافق مع النائب رعد كثر كانوا يفضلون لو ان الحزب انخرط على الاقل في استراتيجية دفاعية او عمل بموجب احترام سيادة البلد او قرار حكومته قبل الانخراط في الحرب السورية. وقد سار هذا الكلام جنبا الى جنب مع غطاء كامل قدمه رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري للجيش في المواجهة التي خاضها. وهو غطاء كفل له تقديرا لافتا من خصوم سياسيين له، ابرزهم النائب سليمان فرنجيه، وذلك على رغم ان موقف الحريري ليس جديدا وهو كان بالقوة نفسها في احداث صيدا في مواجهة احمد الاسير على رغم ما اثارتها المواجهة التي خاضها الجيش هناك من علامات استفهام تبعا لمشاركة الحزب في هذه المواجهة. كما كان الموقف نفسه داعما للجيش بالقوة نفسها في احداث عرسال خلال شهر آب الماضي علما ان هذه الاحداث احاطتها ملابسات بأبعاد خطيرة داخليا ايضا.

هذا التلاقي من الجانبين السني والشيعي الاساسيين في البلد حول الجيش، ولو اتخذ طابعا تنافسيا بعد اعلان ايران عن الهبة للجيش، يجب ان يعد، بحسب مصادر سياسية، امرا مهما بحيث ان ترجمته في سياق ما يجري في المنطقة تعني ان الدعم المشترك يساهم في تحصين الجيش من الخضات التي عاشتها دول عربية ولا تزال في مواجهة احداث مماثلة لتلك التي عاشتها طرابلس، في ظل انقسامات مذهبية تركت آثارها ولا تزال في العراق وسوريا. وفي سياق ترجمة القرارات الاقليمية بمساعدة الجيش لا ينبغي، وفق ما تقول هذه المصادر، اهمال ما يفترضه ذلك من دعم لاستقرار لبنان وعدم الرغبة في اهتزازه كما في الدول العربية المجاورة. في حين ان دعم افرقاء الداخل هو ترجمة عملية لهذه الارادة الاقليمية من جهة كما انه تعبير من هؤلاء الافرقاء بإعلاء شأن الرهان على مؤسسة الجيش كسبيل للمحافظة على الاستقرار وعدم الانزلاق الى الحرب مذهبية كانت او اهلية.

هل يجب ان يطمئن ذلك اللبنانيين بما يساهم في تقليل مخاوفهم مما يجري في محيطهم وانعكاس ذلك عليهم؟

لا تنفي المصادر السياسية ان هذه التطورات أعطت اطمئنانا اكبر للبنانيين على وقع ان الجيش متماسك وهو مدعوم من جميع الافرقاء وان تضامنهم في المواجهة ضد التنظيمات المتطرفة لا يترك مجالا لها لايجاد بيئة مؤاتية لها. والاهم ان اركان الطائفة السنية اظهروا استعدادهم لان يكونوا رأس حربة في مواجهة اي محاولة لدفع لبنان في اتجاهات متطرفة. ومع ان هذه الاعتبارات كانت موجودة خلال الاشهر الاخيرة، فإن ثمة تحريضا اعلاميا رافق وقائع سلبية معينة كان يضغط على اللبنانيين ويزيد مخاوفهم، خصوصا ان هناك واقعا صعبا يعيشه لبنان على صعد عدة الى جانب شلل سياسي لا يزال قائما. واذا كان هذا الواقع يستمر ضاغطا لاعتبارات مختلفة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية الى جانب الهموم الامنية، فان استعادة مجلس النواب نشاطه، ولو في ظل خسارة سياسية، يعتبر البعض انه سجلها في خانة قوى 14 آذار بعد خسارة هؤلاء شروطهم لتحريك عجلة عمل المجلس، سيساهم في التخفيف من المخاوف لجهة الايحاء بان التواصل السياسي مستمر في المجلس وعلى المستوى الحكومي، وتاليا ان لبنان يستمر فاعلا وغير مشلول كليا على رغم عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فالاستعجال الذي تبديه قوى اساسية يفترض انها معنية أكثر من سواها باستحقاق انتخاب رئيس جديد، يعطي انطباعات بأن هذه القوى قادرة على ممارسة ترف الانتظار المديد بحيث انها ليست خائفة مما قد يحمله المستقبل في هذا الاتجاه على رغم كل التحديات الخطيرة التي تحصل في المحيط العربي. الامر الذي ينبغي توظيفه او استغلاله في خانة تهدئة مخاوف المواطنين اللبنانيين في الوقت الذي يستغل السياسيون تسعير هذه المخاوف من اجل خدمة اهدافهم، من دون ان يعني ذلك في اي حال ان لبنان مرتاح او لا يواجه اخطارا. لكن مخاوف اللبنانيين تقارب الهلع واليأس فيما غالبية السياسيين لا يعيشون هذه الاجواء.