أقفلت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ابوابها لبعض الوقت بسبب الذكرى الـ 71 لاستقلال لبنان على ان تستأنف الاستماع للشهادات بعدها لكن اصداء المحكمة ومفاعيلها لا تزال تتردد داخلياً بعد الشهادات الأربعة للنائب مروان حمادة التي ستستتبع لاحقاً بشهادات اخرى لحمادة ولقيادات في 14 آذار لاحقاً عايشت مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري السياسية وكانت على اطلاع بتفاصيل معينة من شأنها ربما الإضاءة على جوانب تفيد المحكمة الدولية.

فهذه الشهادات على اهميتها للمحكمة الدولية وان كانت تقتصر على فريق سياسي واحد لا يمكن وفق اوساط سياسية ان تمر مرور الكرام في الداخل وبدون ان يكون لها تأثيرات على الوضع اللبناني الذي بدا في المرحلة الأخيرة وكأنه يسير الى التكامل والتفاهم السياسي رغم الاصطفافات السياسية بحيث بدا لمرحلة معينة ان الجميع منذ تشكيل حكومة تمام سلام في مركب واحد للوصول بالسفينة الى بر الأمان بعدما اجتاحت العاصفة الارهابية مناطق كثيرة من الشمال الى البقاع وكادت «داعش» تؤسس امارتها الاسلامية الموعودة من عرسال الى عكار وطرابلس لولا توافر العوامل الداخلية التي اسقطت المشروع، وهذه العوامل تمثلت بتوافق كل المكونات السياسية من 8 الى 14 آذار ومن «تيار المستقبل» ورئيسه بالذات الذي تدخل بقوة محذراً البيئة السنية من مخاطر احتضان الارهاب، وببسالة الجيش اللبناني في ضرب الارهاب وبمساندة حزب الله في الجبهات التي تعرضت للاختراق في مواقع معينة.

فكل المؤشرات الداخلية تضيف الاوساط، كانت توحي بعد انجاز التمديد بان ثمة ايجابيات تلوح في الافق ستمهد لانتخابات رئاسية لم تعد مستحيلة او بعيدة، وبان ثمة حوار يمكن ان يحصل بين حزب الله وتيار المستقبل لم يخف اسراره رئيس المجلس بل راح «يطبل ويزمر له» ولضرورة انعقاده باقرب وقت لوضع خريطة طريق تفادياً لألغام المرحلة القادمة اذا ما اشتدت العواصف الإقليمية التي تضرب المنطقة، وحدها شهادات المحكمة وما قيل من على منبرها وما يمكن ان يقال جاء ليعكر المزاج السياسي المنفتح بين المكونات اللبنانية. فما قيل وسيقال على منبر المحكمة وفق الأوساط يعيد النزف الى الجرح اللبناني السوري الذي لم يشف من جروحه بعد وتداعيات ما يقال ليست في محلها خصوصاً وان الأبواب مشرعة للارهاب الذي تسلل منذ نحو سنة بقوة الى العمق اللبناني والذي يهدد الساحة الداخلية بتحويلها الى مشهد آخر وسيناريو ليس مختلفاً عما يحصل في العراق وسوريا.

وإذا كان من الطبيعي ان يتفق اللبنانيون على ضرورة كشف قتلة الرئيس الحريري وظروف الجريمة إلا ان ثمة خلاف سياسي كبير حول عمل المحكمة الدولية ومن يدعمها وحول الهدف من إنشائها وآلية عملها على حدّ قول الاوساط، وبالنسبة الى العديد من الأفرقاء فان الشهادات التي ستتلى على المنبر الدولي ستساهم في توتير العلاقة مجدداً مع الجانب السوري على توتيرها القائم حالياً، وفي خلق وتكثيف الغيوم في السماء اللبنانية وقد وصلت تحذيرات الى قيادات في 14 آذار لرفع مستوى حمايتها وحذرها الأمني، ولعل الخشية ان تتمكن الخلايا الارهابية من العودة مجدداً للضرب والعبث بالبيئة اللبنانية خصوصاً مع الاكتشاف اليومي للخلايا النائمة في كل المناطق اللبنانية. ومن جهة اخرى فإن ما قاله حماده وما سيقوله من بعده من سيقف على منبر المحكمة يجب كما تضيف الاوساط الا يتم استثماره داخلياً والا يساهم في توتير الاجواء اللبنانية ويخلق التشنج الداخلي.

وفي هذا السياق تتخوف الاوساط من ان تؤدي الشهادات في المحكمة إضافة الى التأزم الإقليمي والموقف السعودي لتصنيف حزب الله على لائحة الارهاب الى عودة التشنج والسجالات بين الافرقاء السياسيين، وتعيد خلط اوراق الحوار اللبناني المفتوح على فرص النجاح كما الفشل، فحتى الساعة لا يمكن الركون الى ما سيؤول اليه الحوار المتأرجح بين نظريتين، واحدة تقول بانطلاقة قريبة لم تعد بعيدة لحوار يرعاه رئيس المجلس وليس بعيداً عنه وليد جنبلاط قد يمهد لحلحلة الوضع وانجاز الانتخابات الرئاسية، ووجهة نظر سلبية بناء على الموقف السعودي والمحكمة الدولية باستحالة الحوار. ويبني انصار هذا الفريق موقفهم على قناعة الالتزامات للقيادات السياسية وبأن فرص الحوار لا يمكن ان تكون الا معدومة وسقفها الأعلى الذي وصلته هو الجلوس معاً على طاولة مجلس الوزراء والتنسيق في الملفات الأمنية.